الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.
إن من حق أبنائنا علينا حسن تربيتهم وتأديبهم، فإن هذه المهمة يقع فيها ثلاث صور من الانحراف: أولها وأعظمها خطراً: الإضاعة والإهمال، فبعض الآباء والأمهات تجد أن مهمة تربية الأبناء والاهتمام بهم، ليست ورادة في قائمة المهمات ولا مدرجة في سلسلة الواجبات لديهما، فالأب مشرق والأم مغربة، والأبناء يهيمون على وجوههم تتلقفهم شياطين الإنس قبل شياطين الجن، وإذا به بعد دهر طويل يشكو عقوق الأبناء، يقول فلا يسمع له، ويأمر فلا يستجاب له، ويزجر فلا يخشى منه، كما ذكر لي بعض الإخوة، يقول: ماذا أصنع؟ إنهم قد تمردوا عليّ، ولم يعد لي قدرة على توجيههم.
أقول: قد فرطت في البداية، وها أنت تجني الثمرة المرة في النهاية.
جاء رجل إلى الفاروق عمر رضي الله عنه يشكو عقوق ابنه فجاء به عمر وقرع الابن وذكره بحق أبيه ووجوب بره، فأصغى الفتى حتى انتهى عمر رضي الله عنه، فقال الابن له: يا أمير المؤمنين! أليس للابن حق على أبيه؟ فقال الفاروق: بلى، عليه أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلمه القرآن، قال: فإن أبي لم يفعل من ذلك شيئاً، فإن أمي زنجية ابنة مجوسي، وقد سماني جعلاً -أي: خنفساء-، ولم يعلمني من القرآن حرفاً، فالتفت الفاروق إلى الأب وقال: يا هذا! قد عققت ابنك قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
انظر أخي إلى الثمرة المرة تجد أن بذرتها كانت كذلك، فلا تفرط حتى لا تشكو وتندم حين لا ينفع الندم.