الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أظلنا موسم التقوى، فاتقوا الله عباد الله! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، هذا الموسم العظيم ليس فيما ذكرت من الأمور فحسب، بل فيما هو أكثر منها، فنحن نرحب برمضان؛ فإنه شهر ترك القطيعة والخصومات، والبدء في الوصل وحسن الصلات.
ورمضان شهر ترك البخل والشح، والإقبال على الجود والكرم، وشهر ترك السرف والترف والإقبال على الاقتصاد والعمل الجاد.
ورمضان شهر فيه تنوع بين ترك القبائح وأخذ المحامد، وذلك في أبواب وصور شتىً ينبغي أن نحرص عليها.
ومرة أخرى أشعر بأننا ونحن في هذا الشهر شهر الدعاء والتضرع لله عز وجل، وشهر الإنفاق وتفقد المحرومين، والإحسان إلى الفقراء، وتلمس أحوال المحتاجين، أشعر أننا بحاجة ملحة ونحن في أمن وأمان، وسلامة وإسلام، وسعة رزق ورغد عيش ألا ننسى من أول شهرنا إخواننا الذين يسامون سوء العذاب على يد اليهود عليهم لعائن الله في فلسطين، وعلى يد الأعداء المغتصبين في العراق، وفي كل قطر من أقطار الإسلام.
ينبغي ألا نجعل هذه الشهور وهذه المواسم مقتصرة على العبادات القاصرة من صلاتنا وكثرة تسبيحنا ودوام تلاوتنا وختمنا دون أن نشعر بأنها تحقق أخوتنا، وتجسد روح وحدتنا، وتذكرنا بالانتماء إلى أمتنا، وتعلق في رقبتنا واجب نصرة إخواننا، إنها مسائل مهمة، وإنها قضايا كثيرة، ولابد لنا من أن نعلم أن الاستكثار من الخير لا يحده حد، وأن الأخذ بالواجب لا يمكن قضاؤه وبلوغه، وأنه مهما عملنا فإن حق الله عز وجل أعظم علينا، وأنه مهما عملنا فإن الواجب تجاه أمتنا أكبر، وأنه مهما عملنا فإن رسالة ديننا ودعوتنا أبلغ وأشمل، ونحن في كل أحوالنا وعلى أحسن أحوالنا عندنا تقصير، فكيف ونحن نركن إلى دنيانا، ونكثر من نومنا، ويكون حالنا كحالنا في رمضان الذي قبله؟! إنها فرصة لعزيمة بدء قوية، ونحن في مفتتح هذا الشهر، ونحن في موسم تتضاعف فيه الخيرات وتتنزل الرحمات، فاسألوا الله عز وجل أن يقوي عزمنا جميعاً لحسن طاعته ومرضاته، والأخذ بما يحبه ويرضاه، ونحن من بعد ومن قبل معكم نفتح الأبواب؛ لكي يكون لنا جميعاً تعاون وأيدٍ ممتدة بالخير، فنحن في هذا الموسم العظيم وفي هذا المسجد المبارك نقدم فرصاً عظيمة؛ لكي ننتهزها جميعاً من أمور الخير والإنفاق في إفطار الصائمين وغيرهم، ومن أمور القرآن في حلقات خاصة للكبار من الرجال والنساء، ومن أمور المسابقات التي تزيدنا طاعة لله عز وجل، وهذه أبواب إن قصرت عن فعلها منفرداً فلمَ تقصر في فعلها مع بقية إخوانك؟! وإن لم تستطعها وحدك ولا تعرف كيف تبتدئها فما بالك تحجم عنها، وقد فتحت أبوابها ويسرت أسبابها؟! نسأل الله عز وجل لأمتنا في هذا الشهر نصراً وعزاً وتمكيناً، ونسأله جل وعلا أن يبدلها من بعد فرقتها وحدة، ومن بعد ضعفها قوة، ومن بعد ذلها عزة، ونسألك اللهم أن تجعل هذا الشهر الكريم شهر أمن وإيمان، وسلامة وإسلام، وخير وبركة، وبر وإحسان.
اللهم املأ قلوبنا فيه بالإيمان، واملأ نفوسنا بعزائم الخير يا رب العالمين! اللهم وفقنا لطاعتك ومرضاتك، وأنطق ألسنتنا بذكرك، واملأ قلوبنا بحبك، وسير أقدامنا إلى طاعتك، وأخضع جباهنا لعظمتك، وسخر جوارحنا لطاعتك، واستخدمنا في نصرة دينك، واجعلنا ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واجعلنا اللهم في هذا الشهر الكريم من المغفورة ذنوبهم المرحومين، واجعلنا اللهم فيه من عتقائك من النار يا رب العالمين! اللهم وفقنا فيه للطاعات، واصرف فيه عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا فيه ما مضى وما هو آتٍ، برحمتك يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم وفقنا لطاعتك ومرضاتك، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.
اللهم أحسن خاتمتنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم فرق كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحرهم، وأشغلهم في أنفسهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم لا تبلغهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين، برحمتك وقوتك وعزتك يا رب العالمين! اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض العراق وفي فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبت أقدامهم في مواجهة المعتدين، اللهم وحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم اجعل هذا الشهر الكريم عليهم شهر عز ونصر وتمكين، واجعله على أعدائهم شهر ذل وخذلان وهزيمة يا رب العالمين! اللهم ارحم إخواننا المستضعفين في أرض فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، خائفون فأمنهم، جائعون فأطعمهم، مشردون فسكنهم، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وابسط أمنهم، ووفر رزقهم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتك فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.