الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فهي أعظم زاد يقبل به العبد على مولاه، وإن من تقوى الله بغض أعداء الله، وعدم الذلة لهم، وفي الوقت نفسه الانتصار لعباد الله، والموالاة لهم، وبذل ما في الوسع لنصرتهم، بقدر ما يستطاع ولو بأقل القليل، فإن التهديد والوعيد قد تناول الساكت أيضاً كما جاء في حديث جابر وأبي طلحة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يخذل مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه؛ إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته؛ إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أبو داود في سننه والطبراني بإسناد حسن.
(ما من مسلم يخذل مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه) وقد رأينا الأحداث كثيرة مستمرة في أرض فلسطين، وفي العراق، ورأينا الأحداث الأخيرة التي فيها أعظم بغي وظلم، فأين الذين عندهم الأموال والقوات والجيوش؟! أين هم من نصرة هؤلاء ولو بكلمة، ولو بإعانة، ولو بإبانة؟ وأين بقية المسلمين من حزن يعتصر قلوبهم؟ كثير منهم يضحك ملء شدقيه، ويأكل ملء ماضغيه، وينام ملء جفنيه، وكأن شيئاً لم يكن، وكأن حزناً لم يخالط قلبه، وكأن كرباً لم يقع له! إنها نصوص عظيمة، وتهديدات خطيرة: (ما من مسلم يخذل مسلماً) في مثل هذه الظروف العصيبة، ليس لأولئك إلا الله، نسأل الله عز وجل أن يثبتهم، وأن يفرج عنهم، وأن يعينهم، ونسأل الله عز وجل أن يدحر عدوهم، وأن يرد كيدهم في نحرهم، ونسأل الله عز وجل أن يسخرنا لنصرتهم حزناً عليهم، ووحدة معهم، ودعاء لهم، وبذلاً للأموال والأرواح في سبيل نصرتهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، إلى من تكلنا؟ إلى عدو يتجهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا؟ إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، ولكن رحمتك وعافيتك أوسع لنا.
نسألك اللهم ألا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وأن تيسر لنا، وأن تهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأن تجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن توفقنا لطاعتك ومرضاتك، وأن تسخرنا في نصرة دينك وولاية عبادك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم عليك بالطغاة المتجبرين، اللهم عليك بهم أجمعين، أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، زلزل اللهم الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، اللهم نكس راياتهم، وأذل أعناقهم، وسود وجوههم، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين، واشف فيهم صدور قوم مؤمنين، عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم أقر أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، واجعلنا بكتابك مستمسكين، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين، اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك، واجعلنا اللهم أفقر الفقراء إليك، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجة.
اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الرجاء إلا فيك، ومن الإنابة إلا إليك.
اللهم علق قلوبنا بك وبطاعتك يا رب العالمين! اللهم إنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك؛ فأمدنا اللهم وإخواننا المسلمين بحولك وقوتك ونصرك وعزك وتأييدك يا رب العالمين! اللهم ثبت أقدامنا، واربط على قلوبنا، وانصرنا على عدونا.
اللهم أفض على قلوبنا السكينة والطمأنينة، واجعلنا يا ربنا أوثق بما عندك من كل قوى الأرض كلها يا رب العالمين! اللهم انصرنا فإنك أنت المعين الناصر، ولا تخذلنا فإنك أنت الملهم القاهر يا رب العالمين! نسألك اللهم لأبناء أمتنا أن تردهم إلى دينك رداً جميلاً.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، واصرف عنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذه خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.
وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين! اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض العراق وفي فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبت أقدامهم في مواجهة المعتدين.
اللهم إنه لا حول ولا قوة لهم إلا بك؛ فأمدهم بحولك وقوتك يا رب العالمين، اللهم إنهم عراة فاكسهم، خائفون فأمنهم، ضعفاء فقوهم، اللهم أنزل عليهم نصرك وعزك وتأييدك يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأقم الصلاة! إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.