نقف وقفة أخيرة مع الوصايا القرآنية التي ينبغي أن نتنبه لها وأن نجعلها نبراساً؛ لئلا نكون في الفريق الشقي فريق طلاب الدنيا بهذا المعنى، وليس بالمعنى الإسلامي الذي أباح أن تمتلك المال من أبواب الحلال، وأباح أن تعاشر النساء بالعقد المحلل بالنكاح، وأباح كل هذه الأمور الدنيوية بالأبواب التي فيها حل، وبالقدر الذي لا يطغي ولا يصرف عن الإيمان بالله عز وجل، والإقرار بنعمته والسعي لنيل رضوانه ورحمته.
والله سبحانه وتعالى قد ذكر لنا من الآيات ما ينبغي أن نجعلها نبراساً وشعاراً في حياتنا: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] سلوا الله من خير الدنيا حلالاً، وسلوا الله من خير الآخرة ليلاً ونهاراً.
والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ} [النساء:74] فلنكن ممن يؤثرون الآخرة على الدنيا، ويشترون نعيمها بما في هذه الدنيا.
والله سبحانه وتعالى يخبر عن أولئك القوم وثوابهم فيقول: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} [آل عمران:148] فيجمع لك الله ما تبغي في هذه الدنيا من نعيم ومن خير وطمأنينة واستقرار، ويعطيك فوق ذلك من نعيم الآخرة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]، كن مع أهل الآخرة يذكِّروك إذا نسيت، ويعلموك إذا جهلت، ويحمسوك إذا فترت، فإنك حينئذ تكون منهم، ولا تكن مع طلاب الدنيا الذين لا هم لهم إلا الكلام عنها، فإنهم يوشكون أن يصرفوا قلبك إليها، وأن يوجهوا مشاعرك نحوها.
والله سبحانه وتعالى يخبرنا عن هذا فيقول: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم:29].
فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من طلاب الآخرة، وأن يجعلنا نأخذ نصيبنا من الحلال في الدنيا، ونستعين به على طاعة الله وعلى نصرة دين الله، وعلى إغاثة عباد الله المسلمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم إن كان رزقنا في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك لنا فيه يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك وأفقر الفقراء إليك، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تجعل لنا إلى سواك حاجة يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من الفقراء إليك، المتذللين بين يديك، الخاضعين لك الراجين ما عندك، الخائفين من عذابك وعقابك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا، وأن ترفع درجاتنا، وأن تكفر سيئاتنا وأن تتقبل حسناتنا، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واستر عيبنا، وأقل عثراتنا، وامح زلاتنا، وكفر سيئاتنا، وأعل درجاتنا، وضاعف حسناتنا يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن ترفع بفضلك كلمة الحق والدين، وأن تنكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك.
اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية.
اللهم استأصل شأفتهم ودمر قوتهم، وخالف كلمتهم واجعل بأسهم بينهم.
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا منتقم يا جبار، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم سكن لوعتهم وأقل عثرتهم، وعجل فرجهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اصرف عنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاتنا لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم ارزقهم بطانة صالحة تدلهم على الخير وتحثهم عليه، وتحذرهم من الشر وتنهاهم عنه يا سميع الدعاء.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام خصوصاً على أجلهم قدراً وأرفعهم ذكراً، ذوي القدر الجلي والمقام العلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.