فضل الشكر

الشكر فضله كبير قال تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]، ومن رحمته جل وعلا ما بينه في قوله: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147] فالشكر من أسباب دفع النقم، وحماية المؤمن، ووجود الأمن النفسي والواقعي، قال ابن كثير في هذا السياق: ثم قال جل وعلا مخبراً عن غناه عما سواه، وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ)، وقال السعدي: إن الله لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، وإنما العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه.

وذلك ما ينبغي أن تتأمله أخي المسلم، فكل أمر من الأمور التي تحل بك إن خيراًَ أو شراً معقده ومربطه عملك ونيتك، إن شكرت وآمنت وعملت صالحاً وجدت طمأنينة قلب، وسكينة نفس، وهدوء بال، وسلامة جوارح، وبركة وقت ومال وغير ذلك، وإن كانت الأخرى فاعلم أن ما يصيبك من هم أو غم أو عثرة أو غير ذلك فإنما سببه جحد النعم، أو استعمالها في غير محلها، والله جل وعلا قد بين ذلك قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41].

ومن هنا ينبغي لنا أن نتأمل في هذا الموقف العظيم، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قدم المدينة فوجدهم يصومون عاشوراء -أي: وجد اليهود- فسأل، وهنا مسائل: قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يكن في شهر الله المحرم، والمقصود أنه لم يعرف ذلك إلا بعد قدومه للمدينة، ولم يعرفه في مقامه بمكة، وليس المقصود وقت قدومه، بل أقام في المدينة، فلما جاء هذا اليوم وجد اليهود يصومونه فسأل عنه، وصح الحديث عند مسلم من رواية عائشة: أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه، وأن النبي صامه قبل قدومه للمدينة، وأنه لذلك لم يفعل أو لم ينشأ الصوم، ولا حكمه، ولا سنته، لما كان من شأن اليهود كما ذكر الأئمة من شراح الحديث كـ المازري وعياض والنووي وغيرهم، قالوا: لم يحدث ذلك استناداً إلى خبر اليهود، وإنما كان أمر اليهود وصف حال، وإجابة سؤال؛ لأنه كما قال المازري: خبر اليهود غير مقبول، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بصدق ما قالوه، أو تواتر عنده النقل حتى حصل له بذلك العلم، وكذلك قال غيره: أخبره بذلك بعض من أسلم من اليهود وهو مصدق مقبول القول، ثم حديث عائشة يشير إلى ذلك كما قاله عياض: روى مسلم أن قريشاً كانت تصومه، فلما قدم المدينة صامه، فلم يحدث له بقول اليهود حكم يحتاج إلى الكلام عليه، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال.

ثم لننظر إلى أمر آخر جدير بالعناية والتأمل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منهم)، ثم يأتينا التأمل في الروايات الأخرى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهي عند مسلم: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)، وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده بسند فيه مقال عن ابن عباس قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015