بالنسبة للراحة والبطالة والوقوف عن العمل، هو أمر لا يليق بالإنسان المسلم، وليس في تصور المنهج الإسلامي، قيل لبعض السلف: علام تتعب نفسك؟ قال: راحتها أريد.
فإنما تكون الراحة في العمل والجد والطاعة، وبذل كل ما من شأنه أن يحصل للإنسان منفعة دنيوية أو أخروية ما دامت في إطار الشرع، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لكل نفس شرة وفترة)، (شرة): جد وعزم في الطاعة، (وفترة) ضعف.
قال: (فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى) يعني: لا يخرج في حال الضعف عن السنة وعن أعمال الخير والطاعة إلى أن يكون خلواً من العمل، فضلاً عن أن يمارس المعصية والمخالفة الشرعية.
وعندما نتأمل في ضم المفهومين معاً، فإن حياة المسلم ليس فيها فراغ، وتأمل قول الله جل وعلا في خطابه لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7] قال ابن كثير رحمة الله عليه: إذا فرغت من شأن الدنيا وأحوال العباد فانصب لعبادة ربك.
فليس هناك فراغ أصلاً في حياة الإنسان المسلم، بل كل وقت وكل لحظة ينبغي أن يشغلها بعمل وجد يكتسب فيه من أمر الدنيا ويغتنم فيه من أجر الآخرة ما شاء الله له أن يغتنم، ولذلك حس يتجاوب الإنسان المسلم مع المهمة والغاية التي خلق لها، ومع التصور الإسلامي الذي يدور معه: قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وفي صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، أي أن هذا الفراغ سمي فراغاً من حيث إن فيه فرصة للعمل والاكتساب، لكن القعود والنكوص والتخلف يجعل الإنسان في صفقة غبن؛ لأنه لم يأخذ بقدر ما أعطى، فهو قد صرف الوقت لكنه لم يجن من ورائه منفعة دنيوية مشروعة، ولا أجراً أخروياً هو مفتقر إليه؛ لذلك إذا تأمل الإنسان المسلم هذا المعنى وجده مرتبطاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس -وذكر منها-: الحياة قبل الموت، والفراغ قبل الشغل، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم).
كل هذه المعاني لو تأملناها سنجد أنها تتركز في معنى أن المسلم لا يليق به أن يفرط في الوقت ولا أن يفرط في الجد والعمل، ولذلك لم يجعل النبي عليه الصلاة والسلام الانبعاث للعمل أمراً هيناً بأن يقول: اعملوا أو استغلوا، بل جاء النداء النبوي الكريم فيه نوع من الحض؛ إذ قال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو هرماً مفنداً، أو مرضاً مقعداً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر).
إذاً: هذا التصوير منه عليه الصلاة والسلام يدل على أن الأمر لا يحتمل التواني والكسل والخلو من العمل، بل العكس هو الصحيح، والله عز وجل يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] وقال جل وعلا: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21]، وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم شاهد عظيم على أن مفهوم الراحة والخلود وترك العمل وتبديد الوقت في المتع والأعمال الفارغة السخيفة التافهة، ليس وارداً في حس الإنسان المسلم، ولم يكن في سيرة أسلافنا رضوان الله عليهم.