الرقة والرحمة: كم قست القلوب غفلة عن ذكر الله، وإعراضاً عن تلاوة كتابه سبحانه وتعالى، وإيغالاً في كثير من الأعمال المحرمة الآثمة التي تطفئ أنوار القلب وتذهب رقته، والله جل وعلا قد امتدح رسوله صلى الله عليه وسلم بتلك الرحمة القلبية فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، كم هي قاسية تلك القلوب التي لا تتعظ ولا تدكر! تسمع الآيات وكأنها لا تؤمن بها أو لا تعرف معانيها، أو لا تلقي لها بالاً، نسمع الذكرى والموعظة فلا تتهيج النفوس ولا تتحرك القلوب، ثم نرى صور القسوة جفاءً في المعاملة، وشدة مع المسلمين والإخوان، بل نوعاً من الخصومة والمكر والكيد، والحرب والشحناء والبغضاء التي كأنما لم تسمح ولم تفسح في القلوب لرقة ولا رحمة، نسأل الله عز وجل السلامة.
إذا تأملنا ذلك ندرك حقيقة الإيمان، وأنه هو جوهر تلك الرحمة والرقة التي تفيض على غير المؤمنين قبل المؤمنين؛ لأننا نرى أن الكافر قد استوجب سخط الله عز وجل، فنرحمه لكي ننقذه من هذا الكفر الذي هو فيه، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعل الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار).
أو كما قال صلى الله عليه وسلم.