انظر إلى هذا الشهر كيف يسكب في قلوبنا المعاني العظيمة المهمة التي نحن في أمس الحاجة إليها! أولاً: الإخلاص والتعلق، إخلاص لله، وتعلق به، وحسن صلة دائمة بالارتباط بذكره وطاعته وعبادته، ففي الحديث: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) إنه عمل خالص لله عز وجل، هو أبعد ما يكون عن الرياء؛ إذ ليس له آثار ومظاهر يمكن أن يرائي بها الإنسان، هو عمل لا تجرحه ولا تتركه إلا مخافة من الله عز وجل؛ إذ يمكن أن تفطر ولا يراك أحد، وأن تجرح صومك ولا يشعر بك أحد، لكن الذي يمنعك أنك عالم موقن بأن الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، وأنت موقن بأنه جل وعلا هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ذلك الذي يمنعك، يبث ويزيد وينمي ويغرس هذا الإخلاص في قلبك لله سبحانه وتعالى، وأنت حينئذ معلق القلب بالله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7].
في هذا الشهر الجليل وهذه العبادة العظيمة زادك من الإيمان كبير، وحرصك على إحياء قلبك بمعانيه وأعماله عظيم جداً، وحال غيرك في غير هذه العبادة، بل حالك أنت في غير هذه العبادة كان ربما على غير ذلك، أو -على أقل تقدير- دون ذلك، وكل تعلق للقلب بغير الله عز وجل محبة وهوى هو نوع من طمس نور القلب ووأد حقيقة الإيمان فيه، كما أخبر الحق جل وعلا عن بني إسرائيل بقوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة:93] أي: أشربوا حبه والتعلق به، فلم تعد قلوبهم محبة لله جل وعلا ولا متعلقة به.
فهذا الشهر العظيم شهر للتدرب والتعود والتأكد من تجريد القلب من كل قصد سوى الله، ومن إخلاص النية أن تكون فيها شائبة لغير الله، ومن عظيم التعلق بالله عز وجل، فنحن في هذا الصوم منذ انشقاق الفجر إلى غروب الشمس إلى سواد الليل إلى تكرار اليوم ما نزال مستشعرين هذه المعاني، حياتنا صلة دائمة بالله عز وجل، قلوبنا عامرة بذكره وبالاتصال به سبحانه وتعالى، فنحن نصوم نهارنا ونتسحر ليلنا، ونبقى في سائر شهرنا متصلين بالله عز وجل على هذه العبادة.