ثم لابد من معرفة عظمة خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، النعمة المسداة، والرحمة المهداة، خير خلق الله، وخاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم، أليست هذه منة عظمى من الله علينا أن بعث فينا ولنا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه من خلقه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فأنا خيار من خيار من خيار)، والذي قال الله عز وجل في حقه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]؟! ألا نقدر جهاد رسولنا قدره؟! ألا نعرف كيف بلغنا دينه وكيف نقل لنا كلام الله عز وجل؟! وكيف كانت شفقته العظيمة، وقلبه الرقيق الرحيم، كما قال عنه عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]؟! أفليست عظمة رسولنا صلى الله عليه وسلم جديرة بأن نعظم أمره ونهيه وسنته ودينه الذي حمله إلينا وقرآن الله جل وعلا الذي بلغه إيانا، أم أننا نريد الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد ذكره أو مدحه، أو بمجرد ذكر بعض مناقبه ومآثره عليه الصلاة والسلام؟! إن الأمر أعظم من ذلك، وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وإن آل بيته الأطهار عندما كانوا معه فعلوا الأعاجيب، ذادوا عنه بصدورهم، وجعلوها دروعاً وتروساً تتلقى الرماح والسهام والسيوف، وأحدهم يقول: نحري دون نحرك يا رسول الله.
كذلك فعلوا، ولقد شرقوا وغربوا وبلغوا دينه وحملوا رسالته وأقاموا سنته وحاربوا كل من نقض دينه، أليس هذا هو الذي فعله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟! فهذا تابعي يخاطب حذيفة بن اليمان أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين: كيف كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أي: كيف كانت حياتكم معه.
قال: (كنا -والله- نجهد) أي: نتعب.
فلم تكن المسألة سهلة، ولم يكن غرضهم وفرحهم بمجرد وقوفهم إلى جانبه صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يبحثون عن فخر ظاهري، بل كانوا يعلمون أن صحبته لها ضريبة، وأن الانتساب إلى أمته له شرف لابد من أدائه، قال: (كنا نجهد) فقال ذلك التابعي بغلبة حب وفيض عاطفة: (والله لو كنا معه ما تركناه يمشي على الأرض) أي: لحملناه على أعناقنا.
لقد كان يعبر بصدق، فقال له حذيفة: (لو كنت معنا يوم الأحزاب، يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم.
فلم يقم أحد، وفي القوم أبو بكر وعمر، فقال: من يأتيني بخبر القوم وأضمن له الجنة.
فلم يقم أحد، وفي القوم أبو بكر وعمر، حتى قال رسول الله: قم يا حذيفة.
فلم أجد بداً من ذلك) إنها مراحل عصيبة وأوقات رهيبة ومحن ممحصة دخل فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا معه، وكان في مقدمتهم.
وهذه العظمة كلها في دين الله، وفي كتاب الله، وفي ذات وشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تستحق أن تكون أعظم شيء في حياتنا، وأن تكون هي شغلنا الشاغل ومحور حياتنا الذي تدور فيه كل مجالات حياتنا وخواطر عقولنا ومشاعر نفوسنا وجهدنا في أبداننا وأوقاتنا وغير ذلك؟!