وانظر كذلك إلى مواقف أخرى كثيرة تبين لنا هذا الشأن، فقد كان القرآن هو الذي يلفت الأنظار، وهو الذي يحدد المواقف، ففي صحيح الإمام مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وعمر له قصص كثيرة فيها مزية الغيرة لدين الله والاهتمام بشرع الله وبدين الله- قال: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان، فإذا هو يقرأها على غير ما أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وتأمل في كون الذي أقرأه إياها هو الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنه كان هو الذي يعلم الصحابة القرآن، إنها مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (سمعته فإذا هو يقرأها على غير ما أقرأنيها رسول الله عليه الصلاة والسلام - وكان هشام يصلي ويقرأ- قال عمر: فكدت أساوره في الصلاة) يعني: كاد أن يقطع عليه صلاته لينكر عليه هذه القراءة؛ لأنه تلقاها عن الرسول وعنده منها علم وبينة، قال: (فانتظرته حتى سلم فلببته بردائه وانطلقت به أجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
هكذا كان عمر، وهكذا كان حرصهم على القرآن أن لا يحرف وأن لا يغير وأن لا يُدخل فيه ولا يزاد عليه، وفي هذا قصص عجيبة وأمثلة كثيرة، قال: (فلببته بردائه وأخذته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتني.
فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: أرسله يا عمر.
اقرأ يا هشام!).
فقرأ هشام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا أُنزلت.
وقرأ عمر فقال: هكذا أُنزلت، إن القرآن أُنزل على سبعة أحرف).