الجانب الثالث: ثمار العفة.
فماذا نجني عندما نحقق هذه العفة ونلتزمها ونشيعها بين شبابنا وشاباتنا؟ إننا نجني الثمار التالية: أولاً: السلامة من الفواحش، والفاحشة هي الأمر الذي يفحش أو الذي يتجاوز الحد وتعافه النفس والفطرة السوية، قال الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32].
فإذا التزمنا بتلك التشريعات وبتلك الجوانب التي ذكرناها -من تربية إيمانية، وتشريعات وقائية، وتربية إسلامية، وتوعية تنبيهية تحذيرية، واستعانة بالله عز وجل- فكل هذه العوامل ستجعلنا بمنأى عن هذا الدنس والهاوية الخطيرة السحيقة.
ومن الثمار: السلامة من أضرار الفواحش، وما أدراك ما أضرار الفواحش؟ فالعالم الغربي الذي كسر حواجز العفة يعج بالأمراض الجنسية المعروفة التي حيرت عقولهم، ودمرت صحتهم، وفتكت بهم، وزرعت بينهم الخوف والرعب، والتي سلبتهم حرية ولذة الاستمتاع الذي يسعون إليه ويجرون وراءه، وكلفتهم وراء ذلك الضرائب العظيمة والضخمة من اقتصادهم وأموالهم التي أهدرت بالمليارات في إجراء الأبحاث والتماس العلاج والطب ومراكز الأبحاث ونحو ذلك من الأمور، إضافة إلى ما ينشأ عن ذلك من اختلال الأمن والجرائم والاغتصاب مما سيأتي ذكره في الشق الآخر.
ومن الثمار العظيمة: نقاء المجتمع وطهارته، فإذا وجدت هذه العفة لن ترى امرأة متبرجة، ولا شاباً متسكعاً، بل ترى جداً في الشباب وعفة في الفتيات، وترى مجتمعاً طاهراً نقياً ليس فيه ذلك الابتذال ولا تلك الدناءة والخسة.
وكذلك من الثمار: قوة الإرداة التي تحدثنا عنها، والأجر والثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى، والتوكل، لقوله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] فهذه العفة من الحرام فيها تجديد وتقوية وزيادة للإيمان.
والعفة -أيضاً- سبب من أسباب النجاة من النار، كما ورد في حديث أخرجه أبو يعلى في مسنده والطبراني في معجمه -وتكلم بعض أهل العلم في بعض رجاله بأنهم غير معروفين- قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله).
ثم -أيضاً- من أعظم الثمار الصحة وحصول اللذة؛ لأن الذين يجرون وراء الشهوات يفقدون صحتهم، ويفقدون قوتهم التي يأخذون بها هذه اللذة الجنسية، ولذلك أثبتت البحوث العلمية أن القوة باقية ومستديمة بهذا الاعتدال الذي ينشأ أولاً عن الابتعاد عن الحرام، وثانياً عن العفة بمعناها الذي ذكرناه، أو الاقتصار على القليل النافع المفيد والابتعاد عن كثير الضرر؛ لأن كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، وهذه مجتمعات الغرب تركت الحبل على غاربه، فليس هناك عندهم شيء ممنوع ولا محرم من زناً ولواط وشذوذ ونحو ذلك، فماذا انتهى إليه أمرهم؟ انتهوا إلى أمراض جنسية مهلكة، وإلى أمراض الضعف، وإلى أمراض أخرى، وهم الآن يبحثون عن علاجات تقوي صحتهم، إلى غير ذلك من الأمور.
يقول أحد الأطباء: إنه رأى شيوخاً ناهزوا الخامسة والسبعين وهم لا يزالون في كامل قوتهم وصحتهم، وهم قادرون على المعاشرة والإنجاب، سئل هؤلاء عن سبب ذلك، فأجابوا أنهم لم يمارسوا العادة السرية في فترة شبابهم، وعندما بلغوا مبلغ الرجال لم يدخلوا في أبواب الحرام، وعندما تزوجوا أخذوا بالتوسط والاعتدال، ثم ابتعدوا عن الأمور التي يستخدمها الناس من هذه الأمور الطبية، فأبقى الله عز وجل لهم هذه الصحة؛ لأن هذا المنهج هو المنهج الطبيعي المتوافق مع الفطرة.
أخي الكريم! إن ما يتعلق بكل ما قيل في ثمار الطاعة وحلاوتها، وما يتعلق بنورانية القلب، وما يتعلق بهذه المحاسن الكثيرة والمنافع العديدة التي تأتي في باب ترك المعاصي والتزام أمر الله سبحانه وتعالى من قوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفساق والفجار، وقلة الهم والغم والحزن، وعز النفس عن احتمال الذل، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية، إلى آخر الأمور المعروفة كله يكون ببركة الطاعة والبعد عن شؤم المعصية وآثارها الوخيمة.