وانظر إلى موقف آخر من المواقف الطريفة والعجيبة التي تتجلى فيها قوة عمر بأظهر ما تكون في شدته على الكافرين: يوم نقضت قريش عهدها في صلح الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتدت على حلفائه، ورأت أنها بذلك قد ارتكبت خطأً فادحاً، ويوشك النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرك جيوش الإيمان وجند الإسلام فيسطو على خضراء قريش وبيدائها، فأرسلوا أبا سفيان حكيمهم ومفاوضهم عله أن يهدئ من روع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: شد العقد، وزد في المدة.
فجاء أبو سفيان إلى بيت بنته أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان منها ما كان؛ إذ طوت عنه فراش النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغرب، وقال: (أرغبت به عني أم رغبت بي عنه؟!) فقالت: (إنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنك امرؤ نجس)، ثم مضى إلى أبي بكر يريد أن يكون شفيعاً له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر، ثم مضى إلى علي وقال: أنت أقرب الناس إلى محمد فكلمه، فقال: (قد والله رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأياً، ولا يكلمه فيه أحد)، ثم أخطأ أبو سفيان خطأً فادحاً فذهب إلى عمر ليكون شفيعاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وكفارها وصناديدها، فأي شيء قال عمر رضي الله عنه؟ قال: (أنا أشفع لكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! والله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتكم به)، أين عقلك يا أبا سفيان! أو عمر يشفع في أعداء الله؟ ولو لم يجد من قوة إلا الذر والنمل لقاتل به الكفار؛ من شدته عليهم، وحنقه منهم، وتأديبه لهم، هكذا كان عمر في قوته في مواجهة الكافرين، وهكذا كانت صورته التي جعلته مؤهلاً بعد ذلك لقيادة المؤمنين.