Q كثيراً ما تتنازع الإنسان الهموم والغموم، فهل هذا من ضعف الإيمان؟
صلى الله عليه وسلم ليس على إطلاقه، فإذا كان همك بالإسلام، وغمك على أحوال المسلمين، وضيق صدرك لأنك لا تستطيع أن تؤدي الواجبات كما فرضت عليك، ولأنك تريد أن تعمل بالدعوة والجهاد ولكنك لا تستطيع، فهذا همٌّ جيد وحسن، وهو همّ مطلوب يذكي حرارة الإيمان في القلب ويشعل جذوتها في النفس، وهذا أمر مطلوب، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حملاً لهم الدعوة والإسلام، حتى قال الله عز وجل في شأنه: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6] أي: لعلك مهلك نفسك وراءهم تريد إيمانهم، وترغب في إسلامهم، وتحزن لضلالهم.
وقد كان كذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في نفسه وقلبه من الرأفة والرحمة والشفقة على الناس ما يريد به الخير لهم كلهم، وقد قال عن نفسه عليه الصلاة والسلام: (مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعل الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار) وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن.
أما إذا كان مهموماً لأنه لم ينل الترقية، أو مهموماً لأنه نقص راتبه أو لكذا فهذا لا شك أنه هم دنيوي دنيء ينبغي أن يستعلي المسلم بإيمانه عن هذا.
ولا شك -أيها الإخوة- أن هناك أموراً فطرية بشرية؛ الإنسان قد يفقد عزيزاً يموت فيحزن ويغتم، وهذا شيء لا شيء فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا)، وإن الإنسان قد تقع به المصيبة أو تمر به الضائقة فينشغل بها فكره، ويقع في قلبه بعض الهم، فلا شيء في ذلك في أمر الحياة وفي الناحية البشرية الفطرية، لكن أن يكون كل همه دنياه ومشاغله، وأمواله وتجاراته، وكل حزنه على ما يفوته من هذه الدنيا، فلا شك أن ذلك من صور ضعف الإيمان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.