ولست اليوم أتحدث عن أحداثها، غير أني أتحدث عن مقدماتها؛ لأنها مقدمات تكشف لنا عن حال المجتمع المسلم، ما الذي كان في القلوب والنفوس؟! ما الذي كان في الخواطر والعقول؟! كيف كان ذلك المجتمع ينتبه ويلتفت نظره إلى ما حوله؟! هل كان منكفئاً على نفسه غارقاً في ذاته؟! هل كان متعلقاً بأمنه وسلامته فحسب؟! هل كان يدرك ما حوله وينتبه له أم لا؟! وكيف كان التفاعل مع ذلك؟! لا شك أننا جميعاً نعلم كيف كان التهيؤ لهذه الغزوة من قبل قريش أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك.
بعد أن انجلى غبار بدر بما كان فيه من ظفر ونصر لأهل الإسلام والإيمان، وما كان فيه من هزيمة عظيمة لأهل الكفر والطغيان، سعى أرباب قريش كـ عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وعبد الله بن أبي ربيعة، ممن قتل آباؤهم وأقرباؤهم؛ سعوا إلى أبي سفيان، وإلى من كان له مال في تلك القافلة التي نجت، وقالوا: يا معشر قريش! إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فما عليكم أن تعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا أن ندرك ثأرنا بمن أصاب منا.
ففعلوا، ودخل معهم أحابيشهم وهم الذين كانوا في حلف مع قريش، وانضوى معهم بعض قبائل كنانة وبعض أهل تهامة، بل ذكر الواقدي في مغازيه: أنه اجتمع معهم مائة نفر من ثقيف، واحتشد أولئك جميعهم في ثلاثة آلاف رجل، ومعهم مائتا فرس وسبعمائة درع، وثلاثة آلاف بعير، وأوعبوا من السلاح ما أوعبوا.
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن قريشاً اليوم حاضرة كما هي بالأمس، وقد ألبت وأجلبت لثأرها من أمة الإسلام، ولئن جمعت قريش ثلاثة آلاف ومائتي فرس وثلاثة آلاف جمل أو نحو ذلك، فقد جاء القوم اليوم بمئات الآلاف من الجند والطائرات الخارقة وغير ذلك مما تعلمون، وأنفقوا لأجله الأموال، وجيشوا لأجله الجيوش، والله جل وعلا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].