إن الذي يعيش في أبراج عالية ويريد أن يصلح المجتمعات من خلال الصحف، ومن خلال الأخبار المقروءة، ومن خلال الكتب المؤلفة لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون قادراً على استيعاب الناس، فلابد من أن يخالطهم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).
قال الرافعي الأديب رحمة الله عليه في وصف الذي يعتزل الناس: لماذا يعتزل؟ ولسان حاله يقول: إنه يعتزل لما في المجتمعات من فتنة وفساد وكذا.
قال الرافعي: ولعمري إن اعتزاله لرذيلة الرذائل.
ماذا سنستفيد من هذا الاعتزال؟ هل ستصلح به الحال؟ بل كما قال: لم نعرف صدقه ولا أمانته ولا سريرته وهو معتزل بين أحجار وكهوف لا يتعامل مع الناس، فيخبرون وعده إذا وعد، وصدقه إذا قال، ونجدته إذا استنجد به.
ولذلك لابد للدعاة من أن يخالطوا الناس، وأن يعرفوا معاناتهم في حياتهم اليومية، وفي مناهجهم التعليمية، في وسائلهم الإعلامية، وفي مشكلاتهم الاجتماعية، وفي عاداتهم وتقاليدهم، عندئذ يمكن من خلال المخالطة والمعاناة أن يكون الداعية بتوفيق الله عز وجل قادراً على أن يلمس الجراح، وأن يضع عليها نقاطاً من الدواء الذي يكون فيه الشفاء بإذن الله عز وجل.