Q إذا كان كان الحديث عن شخص آخر نوعاً من أنواع الغيبة فكيف يمكن لنا أن نحسن من أحوالنا إذا لم نجتمع ونناقش الأمور التي تمس مجتمعنا؟
صلى الله عليه وسلم إذا أردت أن تناقش الأخطاء فناقشها مجردة عن الأشخاص، على هدي النبي عليه الصلاة والسلام (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) وإذا أردت أن تناقش المشكلات فليس من لوازم أمرها أن تعرف أصحابها، لكن إن كان صاحب الفسق معلناً فسقه مجاهراً به معلناً حربه لله ولرسوله فإنه لا غيبة له، بل التحذير منه نافع ومفيد في هذا الشأن، أما أخ مسلم صالح عابد ساع بالخير باذل وقته وجهده وفكره في نشر الخير والدعوة إليه فهذا إن كان فيه خطأ فإن كثير صوابه يغطي ويغمر قليل خطئه، وإن قليل خطئه موهوب ومغفور في كثير صوابه، وإن قليل خطئه يستوجب منك أن تبذل له النصح الذي تقدمه بالشكر له والثناء عليه، والحث له على المضي في الخير الذي هو فيه، ثم تستدرك وتقول: لكني أحسب أن في قولك أو في بعض فعلك كذا وكذا، وأنت فيك خير، وأنت الذي نظن بك أفضل مما نظن بأنفسنا وكذا وكذا فإن هذا هو التقويم والتصويب.
ولعلي أختم بأمر جامع يضبط هذه المسارات كلها.
أولاً: العلم الشرعي الذي تحصل به البصيرة والمعرفة، ويبعد الإنسان به عن الوقوع في الخطأ.
ثانياً: الإدراك الواقعي بحال الأمة الإسلامية والدعوة الإسلامية، وحال الأعداء واضطهاد المسلمين، وحاجتنا للوقت، وحاجتنا للجهد، وحاجتنا للوحدة والائتلاف، ولدرء مفاسد أعداء الدين الذين يبثون الفرقة بين صفوفنا وفي مجتمعاتنا، وأن ندرك من خلال الواقع هل هذه الكلمة موقعها في هذا الوقت، فإذا كانت هناك حملة على الدعاة والصالحين، فما بالك تجرح جرحاً قد تكون فيه مصيباً أو مجتهداً لكنه لم يقع موقعه المناسب في هذا الظرف أو في ذلك الزمان.
وهكذا إدراكك للواقع، وما يترتب على الكلمة من الآثار وما تتوقع لها من القبول عند الناس ينبغي أن يعصمك هذا الإدراك عن كثير من الخلل.
ثالثاً: الورع الإيماني الذي يجعلك تعف عن الوقوع في المحرمات، وتربأ بنفسك عن الدخول في المهاترات والمنافسات، وتغلب الخير الذي ترجو ثوابه من الله عز وجل، ولا تكون لك غاية ولا هم إلا ابتغاء رضوان الله عز وجل، وتلتفت إلى حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ابتغى رضا الناس بسخط الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى سخط الله عز وجل برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس).
فالله أسأل أن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، والله أسأل أن يكتب لنا الأجر والثواب، وأن يوفقنا للحق والصواب، وأن يعصمنا ويقينا من شرور أنفسنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصل -اللهم- وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.