الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وإن قضية الإيمان هي قضيتنا الأولى والأخيرة في حياتنا، وهي التي تكشف لنا كل ما يلتبس علينا، وهي التي نستمد منها قوة تعيننا على مواجهة كل ما يعترض طريقنا.
ولعل وقفتي الأخيرة تأكيد لكل المعاني التي ذكرناها من قبل؛ لتكون واضحة وقوية وحقيقية نستشعرها تماماً، ذلك أن مما يقع به الاضطراب أو اللبس عند بعض الناس المقارنات التي تفقدهم مع ضعف الإيمان واليقين الرؤية الصحيحة، إنهم يرون غير المؤمنين أقوى وأولئكم أضعف، ويرون غير المؤمنين أكثر تماسكاً أو اتحاداً، ويرون المؤمنين أكثر اختلافاً وافتراقاً، فيظنون أن في الأمر شيئاً على غير ما هو مذكور أو معروف في أصول ديننا.
وما ذلك في غالب الأحوال إلا لضعف اليقين والبصيرة من جهة، وضعف العلم والمعرفة من جهة أخرى، ولذلك كانت الآيات القرآنية تقارن وتؤكد المقارنة لصالح الإيمان وأهله باطراد لا يمكن معه أن يكون هناك أمر قابل لاختلال هذه المعادلات بأي حال من الأحوال، قال عز وجل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، أي: لا يمكن ذلك بحال، حتى وإن رأيت أموراً لا تتفق مع ذلك فاتهم عقلك، وعد إلى إيمانك، وانظر إلى حقائق قرائنك، وتبصر مواقف رسولك صلى الله عليه وسلم؛ لتدرك أن وراء الأمر كثيراً من الغبش الذي كان على العيون، فلم تعد تبصر، وهذه قضية تكررت في القرآن الكريم، كما في قوله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21]، وقوله سبحانه: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر:58].
فكل مقارنة ينبغي أن يكون يقننا فيها راسخاً، وينبغي أن تكون كفته الراجحة، وجانبها المصيب، وعاقبتها المحمودة هي للإيمان وأهله، وإن كان الواقع في ظاهره يخالفها، وهذه المقارنة هي التي تدعونا وتستحثنا، وهي التي ترغبنا وتشوقنا، فلن نجد مصلحة ولا خيراً ولا نفعاً إذا رجحنا ما قد نراه من أسباب مادية ظاهرة، وهكذا إن ركنا إلى قوة أرضية وتركنا قوة الله جل وعلا، وهكذا إن ذهبنا إلى مذاهب وضعية وتركنا منهج كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تلكم قضية مهمة؛ فبعد أن تحدثنا كثيراً عما يعطينا إياه الله جل وعلا بهذا الإيمان من الأعطيات التي هي مفاتيح الحلول لكل مشكلاتنا والتي هي علاج كل أدوائنا، ينبغي أن ندرك هذا في ضوء المقارنة، ولو أن بصراً وبصيرة مشرقة كانت تنظر بنور الإيمان لرأت أن كل مظاهر القوة، وأن كل صور العزة، وإطار الوحدة الذي قد يكون لغير أهل الإيمان أن فيه ما فيه، وأن وراءه ما وراءه، فقد تعرت وتكشفت كثير من الصور التي كانت ملتبسة، فظهرت ما عند الأمم والدول العظمى من الشعارات البراقة، وظهرت حقيقة حقائق حقوق الإنسان، وحقائق الديمقراطية والعدالة، وحقائق المساواة والحرية؛ ظهر ذلك جلياً اليوم بحيث لم يعد يخفى إلا من طمست بصيرته إلى غير حد ينتهى إليه.
أحبتنا الكرام! كلمات أخيرة: نبع الإيمان عذب صافٍ، متدفق مستمر، ليس بيننا وبينه إلا أن نذهب إليه، ونغترف منه لنروي ظمأ القلوب، ونشفي أمراض النفوس، وننير ظلام العقول، ونقوم معوج السلوك، ونقيم العلائق والروابط على أساس هذا الإيمان، فتتجدد من جديد كل آثاره وجميع خيراته وبركاته التي جعلها الله عز وجل لكل مؤمن صادق مخلص.
أسال الله عز وجل أن يردنا إلى الإيمان به واليقين به والرجوع إليه والتضرع إليه والإنابة إليه.
اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك، وأفقر الفقراء إليك، ولا تجعل اللهم لنا إلى سواك حاجة، وأغننا اللهم بفضلك عمن أغنيته عنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، واجعلنا اللهم أوثق بما عندك مما في أيدينا، واجعلنا اللهم منيبين إليك وقاصدين رضاك وطالبين عفوك وخائفين من عقوبتك وآملين في رحمتك.
اللهم علق قلوبنا بطاعتك ومرضاتك، واملأها بحبك وتعظيمك.
اللهم اجعل في قلوبنا حب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وحب كل ما يقربنا إلى حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم.
اللهم اجعلنا لإخواننا المؤمنين محبين ومعهم وبهم متآلفين ومتوحدين.
اللهم اجمع أمة الإسلام على كلمة الحق والهدى، واجمعها على سلوك الطاعة والتقى، اللهم ألف على الحق قلوبنا، واجمعنا اللهم على طاعتك ومرضاتك.
اللهم أزل من قلوبنا الشحناء والبغضاء، وأبعد عن صفوفنا الفرقة والاختلاف برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم أنزل علينا الرحمات، وأفض علينا الخيرات، وامح عنا السيئات، وضاعف لنا الحسنات، وارفع لنا الدرجات، واجعلنا اللهم من ورثة جنة النعيم، واجعلنا اللهم من عبادك الصالحين، ومن عبادك المخلصين، ومن جندك المجاهدين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أدم عليها أمنها وإيمانها وسلمها وإسلامها، ورغد عيشها وسعة رزقها.
اللهم يا أرحم الراحمين! ويا أكرم الأكرمين! نسألك اللهم اللطف بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل اللهم لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، وأن تجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.