قال عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة:213] قال القاسمي: أي وجدوا أمة واحدة تتحد مقاصدها ومطالبها ووجهتها لتصلح ولا تفسد، وتحسن ولا تسيء، وتعدل ولا تظلم.
أي: ما وجدوا إلا ليكونوا كذلك، تلك هي الأمة الواحدة.
وثمة آراء واجتهادات يمكن الاختلاف فيها مما يسوغ فيه الاجتهاد، لكن عصمة الإيمان ورابطة الائتلاف على معاقد الإيمان في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عاصمة من التباس الحق واضطرابه في أذهان الناس من جهة، وعاصمة من افتراق يؤدي إلى احتراب من جهة أخرى.
قال القاسمي رحمه الله في قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة:213]: بدلوا نعمة الله بأن أوقعوا الخلاف فيما أنزل لرفع الخلاف، فقد أنزل الله الكتاب، وبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة، ليكونا مرجعاً حاسماً لكل خلاف وجامعاً كاملاً للآراء الاجتهادية في المقاصد الكبرى والمعالم العظمى، فجعل بعض الناس ذلك الذي جعل لنزع الخلاف مثاراً للخلاف، وما ذلك إلا من ضعف الإيمان واستبداد الأهواء في القلوب؛ لأن الله جل وعلا قد بين أن ما وقع من الاختلاف لم يكن لقصور في وضوح الآيات والبينات، بل كما قال جل وعلا: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة:213] فأي سبب كان سبب هذا الاختلاف؟ قال: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة:213]، إنه الحسد والهوى والفتنة التي أوجزتها الآيات في هذه الكلمات البليغة.