أشير هنا إلى مسالة مهمة في الموقف الثاني، يوم قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ علي رضي الله عنه: (انظر خبر القوم)، إنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن المعارك مع الباطل ليست جولة واحدة، وأنهم لا يكتفون بانتصار محدود، وأنهم مستمرون، فقال: انظر ماذا سيفعلون؟ هل انتهى الأمر؟ وهل نغلق الأبواب وننهي القضية، ونعود إلى ديارنا لنأكل ونشرب وننام؟ لا، ليس الأمر كما يظن كثير من الناس أنها جولة، وأنها حملة، ولم ينتبهوا إلى أنها متواصلة مستمرة، وأنها متنامية متنوعة، وأنها تمتد حتى لا تكاد تخلو منها بقعة من الأرض، وتتغلغل حتى لا يكاد يخلو منها مجال من مجالات الحياة سواء كان اجتماعياً أو سياسياً أو تعليمياً أو غير ذلك، ولذلك قال: (انظر ماذا سيفعلون)، أي: ما هي خطوتهم الثانية؟ ومعاشر المسلمين اليوم كثير منهم نائمون غافلون، وكلما جاءت ضربة صحونا لها في وقتها، أما التي تليها فكأنها ليست واردة في حسباننا، ولا معروفة عندنا، ولا هي خاطرة ببالنا؛ ولذلك ما يزال كثير من المسلمين يأخذون الضربة تلو الأخرى، وكأن الأولى تهيئهم أن يأخذوا الثانية، ونسوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني، إنما يهلك الناس إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية)، تلك مقالات لابد من معرفتها.
وعندما قال أبو سفيان: موعدكم بدر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم من يجيبه: (هو بيننا وبينك موعد)؛ فإن عزة الإسلام تأبى الانهزام، وإن قوة اليقين لابد أن تقبل إرادة التحدي؛ لا رغبة في الصراع؛ فإن الإسلام لا يسعى إليه ابتداءً ولا يقصده، وليس كما ينسبونه له من قتل أو دمار، بل التاريخ حديثه وقديمه يشهد أنه عند غير المسلمين أكثر منه عند المسلمين.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ ديننا وأمتنا، وأن يحفظ بلادنا وأمنها وسلامتها ووحدة صفها، وأن يدفع عنا وعن المسلمين كل سوء ومكروه، وأن يخذل أعداء الإسلام والمسلمين في كل مكان.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.