ونحن نعلم أيضاً أن مسائل أعدائنا في غزوهم وحربهم لأفكارنا ومبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ونظمنا الاجتماعية ومناهجنا التعليمية أكثر وأشد شراسة وأعظم ضراوة من هجومهم العسكري، أو احتلالهم العسكري، أو نحو ذلك من الأمور المادية.
ولذلك لما رأى أبو سفيان أنه لم يقتل محمد عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر، أراد أن يظهر أن هذه الجولة إنما هي انتصار لمبدئه، وإنما هي علو لمعتقده.
إن الحقائق تثبت أن المواجهات العسكرية أسسها عقائدية، ومنطلقاتها مبدئية، وقد تكون فيها مصالح مادية، وقد تتخللها أهواء شخصية، لكن منطلقاتها وجذورها يقيناً هي دين ومبدأ، والحرب إنما تنبثق من رؤى وتصورات وثقافات وديانات شاء من شاء هذا التفسير وأباه من أباه، فإن الواقع يثبته قديماً وحديثاً وإلى يوم الناس هذا.
وكم سمعنا اليوم من الحملات على القرآن الكريم، وعلى شخص النبي العظيم صلى الله عليه وسلم! من يقولها؟ إنه ليس مفكر، ولا مستشرق، بل يقولها جنرالات عسكريون، إنهم يخوضون حرباً من هذا المفهوم ومن ذلك المنطلق، فلماذا نغالط أنفسنا، ونحن نعلم أن اليهود في دولة الكيان الغاصب الذي يسمى (إسرائيل) يعلنون صباح مساء أنهم دولة دينية، وأنهم منافحون عن دينهم، وأنهم يدافعون عن بني دينهم، وأنهم إنما يقومون على أساس توراتهم وغير ذلك مما نسمعه ونراه صباح مساء؟! ثم يراد لنا من بعد أن نقول: لا، نحن لسنا أهل دين، ولسنا متمسكين أو متشبثين بعقائدنا ومناهجنا الإسلامية الإيمانية، وإنما نحن قوم متحضرون، ونريد الديمقراطية، ونريد ذلك على ما يريده أولئك القوم! وكل خير قد نجده في أقصى الأرض أو غربها نحن أحق وأولى به، وكل تجربة إنسانية مفيدة نافعة نحن أحرى الناس أن نأخذ بها، وأن نراجع أنفسنا لذواتنا؛ فإن من منهج ديننا أن نحاسب أنفسنا، وأن نتبادل النصح فيما بيننا، وأن يقوم مستقيمنا معوجنا، وذلك أمر ليس فيه غضاضة، بل هو من محاسن ديننا وعظمته، ولقد كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يكثر من مشاورة أصحابه وهو من هو! يقول أبو هريرة في حقه: (ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
عجباً له يشاور بهذه الكثرة العظيمة وهو النبي المسدد بالوحي، الراجح في العقل، الخبير الذي ليس أحد من أصحابه بل ولا أحد في هذه البشرية كلها مثله عليه الصلاة والسلام!