الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وبقي لنا من صلتنا وصلاتنا التي تمتد وتقوى وتحسن في هذا الشهر الكريم الصلة بعموم إخواننا المسلمين، فإن صلة الرحم لا تقتصر على ذوي القربى فحسب، كما ذكر ذلك القرطبي وغيره، وكما نعلمه من ديننا بالضرورة، قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وقال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:92]، وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم).
وهذه الفريضة أيضاً لها أثر في مد حبال الوصل بالمسلمين شرقاً وغرباً؛ لأننا نستشعر وحدة المسلمين، فهم يصومون جميعاً في فريضة واحدة، على هدي نبي واحد، لمقصد ومقاصد واحدة، إنها صورة للأمة التي تأتي الفرائض لتؤكد وحدتها في أصولها ومقاصدها وغاياتها، وفي أعمالها وفرائضها وعباداتها، وفي مناهجها وأحكامها وتشريعاتها، فكيف تختلف بعد ذلك في قلوبها ونفوسها؟! وكيف ينسى المسلم إخوانه المسلمين في أرض العراق أو فلسطين؟ ألسنا اليوم نستشعر أحداث الزلازل في باكستان وفي كشمير؟! فإخواننا مسلمون صائمون وقعت عليهم النكبات، وحلت عليهم الكوارث، ومات منهم من مات، نسأل الله أن يتقبلهم شهداء.
وابتلي بالعناء والمرض والإصابات من ابتلي، أليس لهم حق علينا أن نذكرهم ولو بدعوة؟! أليس لهم حق علينا أن نذكرهم ولو بدمعة؟! فضلاً عن أن نهب لإعانتهم وغوثهم، ليس في تلك الديار فحسب، بل في كل الديار وفي كل صقع؛ لأن المسلم لا يكمل إسلامه إلا بذلك، كما صح عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
ولذلك فإن هذه الصلة ينبغي ألا تكون غائبة، لأننا وللأسف الشديد في الآونة الأخيرة هبت علينا رياح الإقليمية، بل هبت علينا من بعد ذلك رياح وطنية لا ننكر أصلها، لكننا نكر أن تكون حجراً على امتداد آفاقنا الإسلامية إلى أقاصي الصين وإلى أدغال أفريقيا وإلى أوساط أوروبا وأمريكا، فكل أرض فيها مسلم تجعلنا نرتبط به، ونتصل به، ونعطيه حق أخوته، ونحسن الصلة به بكل ما يستطاع من الأحوال، ولا تحدنا الحدود، ولا تقطعنا أحاديث ولا أحابيل ولا ألاعيب ولا مشكلات سياسة، بل لا يصدنا عن ذلك الموجات والهوجات الإعلامية التي تهب علينا لتقطع أواصرنا.
فنحن اليوم إن مددنا يد العون لمبتئس مكروب قد أصابته كارثة خفنا أن يكون ذلك تهمة أو إدانة بالإرهاب، فهل ننكر فريضة كاملة من فرائض دنينا -وهي الزكاة- ونعطل شريعة الله عز وجل لأجل أقاويل أهل الأباطيل؟! ينبغي لنا أن ندرك أن هذه الموجات إنما غرضها أن تقطع الأواصر، وأن تجعل كل مسلم في أضيق دائرة ممكنة، وذلك كله مما يهدف إليه أعداء الله.