ومراتب الصلة كثيرة: أولها وأعلاها: الواصل لمن أساء إليه، كما ورد في حديث مسلم عن الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، فقال: لئن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل -أي: الرمل الحار- ولا يزال لك عليهم من الله ظهير).
المرتبة الثانية: الواصل لمن قطع وإن لم يسئ إليه.
المرتبة الثالثة: المكافئ، وفيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)، أي: ليس الميزان إذا زارني زرته، وإن لم يزرني لم أزره، كدائن ومدين، وإن أعطاني هدية أعطيته، وإن أعطاني كلمة أعطيته، فأي معاملة هذه؟ وأين هذا من قول الله عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]؟ قال الشاعر: وذي رحم قلمت أظفار ضغنه بحلمي عنه وهو ليس له حلم أما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، يوم أن رأى أعداءه الألداء الذين ناصبوه العداء وأخرجوه من بلده واستهزءوا به، وتعرضوا لمقامه وجلاله وذاته وشخصه صلى الله عليه وسلم؛ فأي شيء فعل بهم؟! إنه صاحب القلب الرحيم، وصاحب معرفة حق الوصل حتى لغير المسلم تأليفاً لقلبه واستمالة له وإظهاراً لمحاسن هذا الدين.
وقد عرفنا الله سبحانه وتعالى بذلك، وأمر بحسن صلة الوالدين وإن كانا كافرين، ولما جاءت أسماء تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها الكافرة وقد جاءتها راغبة، فقال: (صلي أمك)، ولما أتى أبو هريرة يطلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأمه فدعا صلى الله عليه وسلم لأمه فأسلمت.
تلك هي صلة الرحم، فكيف بنا وأمهاتنا وآباؤنا وذوو قرابتنا مسلمون مؤمنون مصلون عابدون صائمون؟! فهذا موسم عظيم تمتد فيه هذه الأواصر، وتقوى لحمة أمة الإسلام، فالصلة الصلة بالله! والصلة الصلة بعباد الله! نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الواصلين، وأن يحسن ويقوي صلتنا به، وأن يجعل أخوتنا فيه وصلتنا وعلاقتنا في مرضاته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.