تذكر تلك الوصية العظيمة للغلام المؤمن الفطن اللقن، يوم قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، احفظ الله يحفظك).
وهذه الصلة هي من نعم الله عز وجل علينا، فإذا تكاثف الهم وتعاظم الغم، فأنزل ذلك بالله عز وجل الذي وصل حبالك به، قال عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، فكُشف الهم، وزال الغم، وتغيرت الأمور، وفتح بطن الحوت ليكون قصراً ومسكناً، ونبتت شجرة اليقطين لتكون زاداً وظلاً.
فكل شيء في الكون يتغير متى كنت مع الله؛ لأن الله يكون معك بإذنه عز وجل.
فلنفقه في هذا الشهر الكريم وفي هذه الفريضة الجليلة عظمة صلتنا بالله عز وجل وعظمة انتفاعنا بها واستفادتنا منها، وكلما حلت نقمة أو وقعت فتنة فالعصمة هي الصلة بالله عز وجل، ويوم أحيط بيوسف عليه السلام في تلك الفتنة العظيمة نادى ربه سبحانه وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} [يوسف:34].
وهكذا إذا أردت المدد والإعانة: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9]، فالمدد والنصر والإعانة من الله، وكل شيء لا يكون بالله لا يستمر ولا يدوم إلا به، وكل شيء يستند إلى غير الله فهو إلى خراب وضياع، وكل اعتماد على غير الله فهو إلى هزيمة، لكن الدنيا شغلت الناس، والقلوب تعلقت بغير مرضاته، والنفوس تاقت إلى غير ما وعد به جل وعلا، فصار الناس كأنما هم في شك من هذه الصلة، فتجيء هذه المواسم الخيرة لتعيدنا إلى حسن صلتنا بالله، أفلا نشعر بأثرها؟ أفلا نشعر براحة في نفوسنا وسعادة في قلوبنا وطمأنينة وهدوء بال في خواطرنا؟! أفلا نشعر بأننا اليوم أكثر طمأنينة وراحة وسعادة؟! تلك هي آثار الصلة في نفوسنا، وهي من بعد ذلك شفيعنا ومقربنا إلى رحمة الله عز وجل، وما يعرضنا إلى فضله وكرمه وجوده جل وعلا، فكل يوم ندعو، وكل يوم نذكر، وكل يوم نتلو، وكل يوم نصلي، وكل يوم ننفق، وكل يوم نصنع تلك الأمور التي تقوي صلتنا بالله.
فما أعظم هذا الموسم؛ غير أنه ينبغي لنا أن ننتبه إلى هذه الصلة، وأن نفعها الأعظم وفائدتها الكبرى دنيا وأخرى إنما تكون بامتدادها واستمرارها، وغرسها في سويداء القلوب، وبذرها في أعماق النفوس، حتى تكون دماً يجري في العروق، وحتى تكون نوراً مع كل نظرة، وتكون حية في كل خطرة، وتكون ظاهرة في كل كلمة، وتكون بادية في كل حركة وسكنة، وحتى تصبح ذلك المؤمن الرباني والمسلم الذي يسير بنور الله وعلى منهج الله، وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.