الفتور والإحباط

أول هذه الحسرات الفتور والإحباط، فعندما تكون الاندفاعة قوية أكثر من اللازم، وغير مستوعبة للواقع، ولا مدركة للإمكانيات، ولا متهيئة في الأخذ بالأسباب فإن هذه الاندفاعة تمضي فلا تحقق نتيجتها، فيرتد حينئذ بعد تجربة وثانية وثالثة إلى فتور، ويترك معه كل عمل وكل حيوية وكل نشاط وكل إيجابية، بل يرتد حينئذ إلى نفسية محطمة مهزومة لم يعد عندها أدنى درجات الثقة بالنفس التي يمكن أن تكون أساساً للانطلاق أو العمل.

ولعلي أضرب مثالاً يدور أو يقع في صفوف الشباب كثيراً في بعض الجوانب الحياتية: ربما يسمع كثير من الشباب الحث على العلم وطلب العلم وفضيلة العلم، وتأتي هذه المقالات وتلك المحاضرات فتلهب في نفسه الحماسة، ولم يكن له سابق تجربة، ولم يأخذ خبرة من صاحب تجربة، فيندفع اندفاعة من الناحية المنهجية غير صحيحة، ومن الناحية التي تناسب طبيعته وقدرته غير متطابقة معها، فإذا به لا يحصل على شيء.

ذكر البغوي في كتاب العلم في (شرح السنة) عن الزهري رحمه الله قال: من رام العلم جملة فقده جملة.

وهذه طبيعة وظاهرة موجودة في الشباب، فترى أحدهم يقبل ويريد أن يدرس هذا العلم وذاك العلم، ويحفظ هذا المتن باندفاعة ليست متكاملة، فكثيراً ما يئول به الأمر إلى أن يترك ذلك كله.

وهكذا في جانب الالتزام الشخصي والأخذ بأمور الفرائض والعبادات والتطوعات قد يندفع فيها بغير ما يتناسب مع طاقته أو ظرفه، ويكون فقط تحت تأثير عاطفي مؤقت، ثم يرجع إلى ما وراء ذلك.

ونجد في هذا من الناحية الواقعية أمثلة كثيرة، والتجربة فيه واضحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015