أنتقل إلى كلمات أتمم بها حديث الشيخ إليكم، فقد كان ذلك حديث حياته، وإليكم حديث كلماته: بعد محاولة اغتياله الأولى كان مما قاله رحمه الله: (ألا تستحي الأمة من نفسها وهي تطعن في طليعة الشرف منها؟! ألا تستحي دول هذه الأمة وهي تغض الطرف عن المجرمين الصهاينة والحلفاء الدوليين دون أن يعطفوا علينا بنظرة تمسح عنا دمعتنا وتربت على أكتافنا؟! لا تنتظروا أن نستسلم، وأن نرفع الراية البيضاء؛ لأننا تعلمنا أننا سنموت أيضاً إن فعلنا ذلك، فاتركونا نمت بشرف المجاهد إن شئتم، أو كونوا معنا بما تستطيعون، فثأرنا يحمله كل واحد منكم في عنقه، ولكم أيضاً أن تشاهدوا أمواتنا، وتترحموا علينا، وعزاؤنا أن الله سيقتص في كل من فرط في أمانته التي أعطيها، ونرجوكم ألا تكونوا علينا، بالله عليكم لا تكونوا علينا يا قادة أمتنا ويا شعوب أمتنا).
وأقول: إن من يعصي إن من يقصر إن من يفرط إن من يترك الأمر والواجب قد يكون وبالاً على نفسه وعلى أمته بهذه الحال.
يقول الشيخ: (اللهم إنا نشكو إليك دماءً سفكت، وأعراضاً هتكت، وحرمات انتهكت، وأطفالاً يتمت، ونساء رملت، وأمهات ثكلت، وبيوت هدمت، ومزارع أتلفت، ونشكو إليك تشتت شملنا، وتشرذم جمعنا، وتفرق سبلنا، ودوام الخلف بيننا، نشكو إليك ضعف قومنا، وعجز الأمة من حولنا، وغلبة أعدائنا).
كلمات فيها منهج لا يتسع المقام للتعليق عليه.
ثم أنقل إليكم ما يريده منكم الشيخ وأمثاله من قادة الأمة ودعاتها وأبطالها.
يقول: (إن القرآن هو منهج المسلمين، جهاداً بالنفس والمال، وبالعلم والتربية، فإذا تخلف المسلمون وتركوا العمل بهذا المنهج استبدلهم الله بقوم يحبهم ويحبونه) وهو يشير إلى قول الله عز وجل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54]).
ويقول لكم الشيخ أيضاً: (أؤكد لكم أن الله غالب على أمره، وأن ثقتنا في الله أولاً، ثم في شعوب أمتنا المسلمة، الشعوب المؤمنة كبيرة وعالية -أي: ثقتنا كبيرة وعالية- وأننا بفضل الله ثم بدعائكم ودعمكم سننتصر، وسيجعل الله لنا ولكم بعد عسر يسراً).
وها هو يؤكد لكم قائلاً في ثبات يبثه في أرواحنا ونفوسنا (سنسير على الدرب حتى الوصول إلى التحرر والعودة، وإقامة الدولة الفلسطينية المسلمة، وعاصمتها القدس الشريف مستعينين بالله أولاً، مهتدين بمبادئنا الإسلامية وعقيدتنا الغراء، ومطمئنين على الوصول إلى الحرية والنصر؛ لأن معركتنا نهايتها إما النصر وإما الشهادة: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]).
لقد كانت رؤيته واضحة، وكان يقينه كاملاً، وكان فهمه لمبادئ الإسلام ولسنن الله عز وجل عظيماً! ثم هاهو يقول لنا في ثبات عظيم عندما سئل بعد المحاولة الأولى لاغتياله: هل أخذت الاحتياطات اللازمة؟ فأجاب إجابة فيها شيء من الاستهزاء لمثل هذا السؤال فقال: (بالتأكيد قد أخذت الاحتياطات إلى أقصى درجة الحيطة والحذر، ودليل ذلك أنني أجلس في بيتي ولم أغادره).
ولقد كان كذلك رحمه الله، ثم هو يقول في هذه الحادثة: (المقاومة وحماس ستسير في حياتنا وبعد مماتنا، واغتيالي لن يؤثر على مسار الحركة، ولا على مسار المقاومة، وهذه التهديدات تزيد من قوة وإيمان هذا الشعب والتفافه حول خيار المقاومة).
ويقول في كلمات كأنما يقولها وهو يعلم هذه العاقبة: (لا أخشى الموت، وشهادتي لا تعني نهاية المعركة مع الإسرائيليين).
هذه الكلمات أسوقها إليكم وهي غنية عن التعليق.