وإن في هذا المقام لأمر يحتاج إلى التذكير والتنبيه، وهو في أمر الأضحية التي هي سنة مستحبة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد علمنا وبين لنا في سنته كيف نفعل ونصنع في هذه الأضحية، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد أتم نسكه، وأصاب سنة المسلمين)، فالذبح للأضحية إنما يكون بعد صلاة العيد، وفي حديث البراء مثله: (من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله)، وإنما السنة الحقيقية التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح بعد الصلاة، وقد بين العلماء توقيتها سيما لأهل الحج، أنه يمتد إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وأما سنها فقد اتفقوا على أنه لا يجوز من الإبل والبقر والغنم إلا الثنية، والثنية من الإبل ما كان عمره خمس سنين، ومن البقر والمعز ما تجاوز سنتين وطعن في الثالثة، وينبغي أن يأخذ من أوساط البهائم والنعم فلا يأخذ العرجاء البين عرجها، ولا العوراء البين عورها، ولا العجفاء البين عجفها، ولا المريضة البين مرضها، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي من حديث البراء.
وقد بين أهل العلم أنه يجوز للمرء أن يشترك مع غيره في أضحية واحدة بأن يشترك السبعة في بدنة أو في ناقة أو جمل، وكذلك يجوز أن يضحي المرء عن نفسه وعن أهله بأضحية واحدة، وإن كان يستطيع الزيادة فهي أجر وثواب من الله عز وجل عظيم، ويجوز الأكل منها والتصدق بها، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ما فيه حث على الأكل من الأضحية، وأن ذلك من سنته صلى الله عليه وسلم، بل قد ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم نبه على الادخار من لحم الأضحية حتى يؤكل ولو في غير يومها، فهذا يدل على هذه السنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز على الصحيح أن يضحي المرء عن غيره إذا أراد أن يهب له أجر ذلك، وقد قال بعض أهل العلم: إن غير ذلك أولى، فالصدقة أعظم أجراً من الأضحية بالنسبة لمن أراد أن يضحي عن غيره أو عن ميت، وهذا كله من الأحكام التي ينبغي التنبه لها، وقد ورد في بعض الأحاديث وفيها ضعف: (أن من أفضل الأعمال في يوم النحر إراقة الدم، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع إلى الأرض)، والله عز وجل قد قال: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37]، ولذلك فإن يوم العيد -يوم غد- هو اليوم الذي يضحي فيه المسلمون، ويتذكرون سيرة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، ويشاركون أهل الحج في بعض هذه المعاني والمعالم التي يبتغون وينالون بها أجر الله عز وجل، ويشاركون فيها إخوانهم الحجيج، وهذا أيضاً معلم من معالم التراحم والتكافل بين أمة الإسلام، ليتفقد الأغنياء الفقراء، وليرحم الأقوياء الضعفاء، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي ثبتت عنه وداوم عليها، وقد فعل ذلك بنفسه عليه الصلاة والسلام، وقد قال أهل العلم: من السنة أن يذبح أضحيته بنفسه إن استطاع ذلك، بل قد نص بعضهم على أن المرأة تذبح أضحيتها بنفسها إن استطاعت ذلك، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه، ونحر بعض إبله التي ضحى بها بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام، وهذا من إعلان التوبة إلى الله عز وجل، ومن إعلان التقرب له سبحانه وتعالى، وأن كل شيء إنما يوهب ويقدم لله عز وجل: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37].
فاللهم نسألك أن تغفر ذنوبنا، وأن تكفر سيئاتنا، وأن تمحو زلاتنا، وأن تقيل عثراتنا، اللهم ضاعف حسناتنا، وارفع درجاتنا، وأعل مراتبنا، اللهم إنا نسألك غفران الذنوب، وستر العيوب، برحمتك يا علام الغيوب! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم إنا نسألك توبة نصوحاً، ودعاء مستجاباً، اللهم إنا نسألك الندم على ما سلف وفات من التقصير والتفريط، ونسألك اللهم العزم فيما يأتي على الخيرات والمسارعة إلى الطاعات، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تجعلنا من عبادك المخلصين، وأن تجعلنا من جندك المجاهدين، وأن تتوفانا مسلمين غير خزايا ولا نادمين.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم تقبل حج الحجاج والمعتمرين، اللهم أمنهم في حجهم، وسهل لهم أمورهم، ويسر عليهم مناسكهم يا رب العالمين! اللهم تقبل من عبادك المؤمنين، اللهم واجعل هذا الحج خيراً وبراً ورحمة على عبادك المؤمنين، اللهم واجعل من ورائه للمسلمين وحدة من بعد فرقة، وقوة من بعد ضعف، وعزة من بعد ذلة، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين! اللهم أصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجمعهم على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلهم بكتابك مستمسكين، ولأوامرك مستجيبين، وعن نواهيك مبتعدين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تطهرنا من الذنوب والخطايا، وأن تنقينا منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلنا من ذنوبنا وآثامنا، وطهرنا بالماء والثلج والبرد، اللهم إنا نسألك ألا تجعل لنا في هذه الأيام المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا داعياً للحق إلا وفقته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها يا أرحم الراحمين! اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك لقلوبنا الصفاء والنقاء، ولأبداننا الصحة والعافية، ولأعمالنا الصواب والقبول، اللهم اجعل ألسنتنا لاهجة بذكرك وجوانحنا عاملة بشكرك، اللهم فرج همومنا، ونفس كروبنا، واقض حوائجنا يا قاضي الحاجات! يا مفرج الكربات! نسألك اللهم أن تتقبل دعاءنا وألا تردنا خائبين، اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم وأزل عنهم الشحناء والبغضاء والفرقة والخصام والشقاق والنزاع يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك لعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين أن ترحمهم، وأن تلطف بهم، وأن تعجل فرجهم، وأن تفرج كربهم وأن تقرب نصرهم، اللهم ارزقهم الصبر على البلاء، ورضهم بالقضاء، اللهم اجعل ما قضيت لهم زيادة في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، اللهم إنا نسألك أن ترفع عنهم السخط والبلاء والغضب يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين! اللهم واجعل هذا البلد آمناً مطمئاً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولاتنا لهداك، واجعل عملهم في رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي: أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! وَأَقِمِ الصَّلاةَ! إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.