وجوب التحلي بالثقة والثبات

أولاً: الثقة والثبات: فلا ينبغي أن يفت هذا العدوان في عضد المسلمين، ولا أن يتسرب اليأس إلى نفوسهم، ولا أن يهزمهم في سويداء قلوبهم وأعماق نفوسهم وخواطر أفكارهم.

وللأسف أننا ربما نجد بعضاً من ضعاف الإيمان قد أصبحت أمريكا إلههم الذي يُعبد، وأنها القوة التي لا تُقهر، وكأنها هي التي تصرف أمور الكون وشئونه، ويقولون لك ما يقولون بألسنة تدل على خور وجبن وضعف، ولعلنا لا نطيل فنسوق من آيات القرآن وحسبك بها مثبتاً وموضحاً ومجلياً للحقائق، وذلك فيما ساق الله سبحانه وتعالى لنا من قصص بني إسرائيل وموسى عليه السلام: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] وذلك في أثناء المواجهة مع الطغيان ومع فرعون، فكان موسى يقول لهم: (استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عبادة والعاقبة للمتقين) جزماً قطعاً يقيناً لا شك فيه.

وكان عندهم شيء من التردد {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف:129] أي: قد وقع لنا بلاء وحصلت لنا هزائم وحلت بنا نكبات، وتشردنا في الأرض وذقنا مرارة العبودية: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:129].

ثم ساقت الآيات صور الصراع والمواجهة، وكانت خاتمتها: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف:137].

إيجاز يلخص مواجهة الإيمان مع الطغيان عندما يكون الإيمان راسخاً في القلوب واليقين ثابتاً في النفوس، وينبغي أن يكون هذا تأكيداً لهذه المعاني وتوثيقاً لها في خضم هذه الأحداث، لا أن يكون سبباً في نقضها أو ضعفها، أفي شك نحن من آيات الله؟! أفي شك نحن من سنن الله؟! أفي شك نحن مما رأينا بأم أعيننا فيما نطالعه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أفي شك نحن من صفحات تاريخنا الإسلامي الوضيئة المشرقة، حين روت لنا معارك واجهت فيها فئة مؤمنة قليلة، في أحوال كثيرة، وميادين عديدة في مواجهات مختلفة مع أمم متنوعة، فيوم استمسكت بدينها واستنصرت بربها، عزت وعلت وسمت وانتصرت رغم ضعفها وقلة عددها وعدتها، ونحن نرى صوراً من ذلك وكان الناس يقولون: إنهم في ليلة وضحاها سينهون كل شيء، ونحن نرى ما نرى من صور يسيرة ولمحات وضيئة لا نستطيع أن ننسبها كليةً إلى الإيمان واليقين والجهاد والفداء لكننا نقول: إن من ومضات من ذلك، وكل شعوب الأرض وأممها تقول: من يقف أمام هذه القوة العظمى مع التحالف الذي يسندها؟! ونحن نعلم أنهم اليوم يضاعفون ويرسلون المزيد من الرجال والعتاد؛ لأنهم لا يزالون يجدون أن هذه المقاومة الهزيلة الضعيفة الخاوية من كثير من العدة والعتاد، استطاعت أن تصنع شيئاً يعده الناس والعسكريون أمراً فريداً يستحق أن يدرس وأن يدون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015