ولا بد لنا أن ننتبه إلى أمور مهمة وإلى غايات عظيمة ومنها: الإصلاح والتغيير: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] إن مواجهتنا لأعدائنا وانتصارهم في بعض الميادين علينا ليس لقوتهم، فإنهم أضعف منا في جوانب كثيرة، وإنما انتصارهم بسبب ضعفنا، إنهم يصنعون ونستهلك، ينتجون ونشاهد، يروجون فنقبل، يكذبون ونصدق، ولو وجدوا غير ذلك لوجدنا غير ذلك.
لقد كان الغزو وإرادة التأثير موجوداً وفاعلاً منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه وجد إيماناً ويقيناً تكسرت عليه كل هذه الحملات، ولعلي أذكر مثلاً واحداً: يوم تبوك، يوم تخلف من تخلف وكان من المخلفين ثلاثة صادقون، ومنهم كعب بن مالك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاطعوا ولا يكلموا ولا يعاملوا، قال كعب: حتى ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت.
فسمعت الدولة العظمى أن فرداً في هذه الأمة ربما اعتراه ضعف وأصبح مهيئاً ليتم النفوذ من خلاله وأن يكون الغزو عبره ومن طريقه، فأرسلت القوة العظمى رسولاً يبحث ويسأل عن كعب بن مالك، قال: فدلوه علي فجاءني بكتابٍ من القائد والملك الأعظم في دولته العظمى، يقول فيه: قد علمنا أن صاحبك قلاك، فالحق بنا نواسك، ولم يجعلك الله في أرض مضيعة.
فماذا قال هذا المقُاطَع الذي لا يكلمه أحد، والذي عاش فترة من المعاناة النفسية الشديدة، هل لان وضعف؟ هل استجاب لإغراءات اللجوء السياسي أو لإغراءات المنهج الفكري؟ قال: (فعلمت أنها الفتنه)! كل ما سبق لم يكن شيئاً ولم يكن فتنةً بالنسبة له.
قال: فعلمت أنها الفتنة فعمدت بها التنور فسجرتها، أي: أحرقها حتى لا يبقى لها أثر ولا يبقى له ذكر ولا يعاود النظر إليها مرة أخرى، ورد أولئك على أعقابهم خائبين، واليوم يأتينا كثير وكثير ويتلقفه منا كثير! أين صلابة إيماننا؟ أين ثبات أخلاقنا؟ أين قوة دعوتنا؟ أين قوة مواجهتنا؟ ذلك أمر لا بد له من التغيير والإصلاح.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يثبتنا على الحق، وأن يرد أعداءنا على أعقابهم خائبين، وأن يردهم بغيظهم لا ينالون خيرا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.