وأنتقل إلى صورة أخرى، فإن الخير في أمة الإسلام في كل إنسان، وهذه صورة لحاكم عادل منصف قائم بحق الله في رعيته، إنه الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، وكلكم يعرف خبره، وهذه ومضة من ومضات سيرته العطرة: عندما تولى الخلافة في أول أمره جاءه أقرباؤه من بني أمية يسلمون عليه ويباركون له ويهنئونه، وينتظرون منه الأعطيات والولايات، كما كان الشأن في عهد من سبقه، وكما درج على ذلك ملوك بني أمية، فوقف عمر بن عبد العزيز وقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم على جند من هذه الأجناد؟ فإني أجعلكم قواداً للجيوش المجاهدة في شرق الأرض وغربها، فسكتوا ونطق أحدهم: قال: ومالك تعطينا ما لا تأخذ لنفسك؟ أي: لم تجد لنا من الولايات إلا قيادة الجيوش التي فيها ما فيها من النصب وإزهاق الأرواح وسفك الدماء؟! فالتفت عمر بن عبد العزيز وقال: أترون بساطي هذا، إني أعلم والله إنه إلى بلى؛ لكني لا أريد أن تطئوه لئلا تدنسوه بما أنتم عليه، فكيف أكره ذلك وأكره أن تدنسوه علي بأرجلكم ثم أوليكم ديني وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيهم، هيهات هيهات! فقالوا له: لمه؟ أما لنا قرابة؟ أما لنا حق؟ فقال: ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء، إلا رجل حبسه عني طول الشقة.
ولقد كان للأمراء وحكام المسلمين في عصور مختلفة دائماً وأبداً أمثلة رائعة، ليس في الزمن الغابر فحسب، بل حتى في أزمان متأخرة، كما كان من أوران الذيب عالم كبير في الهند، وكما كان من صديق خان في بهبال وفي غيرها من البلاد التي أثمرت تلك المواقف العظيمة.