وأنتقل إلى صفحات تاريخية أخرى، وإلى نوع آخر حتى لا يبقى لأحد خروج عن دائرة ما نتحدث عنه، أنتقل إلى دور المرأة المسلمة لنرى مواقفها، لنرى أن أهل الإسلام كلهم يتحملون المسئولية، فليس ثمة فرق بين رجل وامرأة، فكلهم يحمل هم الإسلام ويبلغ دعوته ويذود عنه، ليس هناك فرق بين صغير ولا كبير، فلقد رأينا صغار الصحابة كيف كانوا يتنافسون ليدخلوا في صفوف المجاهدين وهم في نعومة أظفارهم وأول بلوغهم.
امرأة كانت سبباً في هداية حاكم، كان أحمد بن طولون حاكم مصر في زمن مضى، وفي أول عهده كان ظلوماً غشوماً، وفي سطوة جبروته وسكوت كثيرين عن الإنكار عليه خوفاً منه، اعترضت طريقه امرأة وسلمته ورقة هذا نصها: ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وأنعم الله عليكم ففسقتم، ووردت عليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة -وتعني بذلك دعوات المظلومين- لا سيما من قلوب أجعتموها وأكباد أوجعتموها، اعملوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فوقعت الكلمات في نفسه موقعاً، وعاد من ظلمه عادلاً، وحسنت سيرته في الناس.
أفكان يعجز أن يقول هذا عالم مخلص أو داعية صادق أو رجل جريء، أفكان يعجز عن مثل هذا عموم الأمة حتى انتدبت له امرأة سجل التاريخ كلماتها وموقفها، وذلك دليل إخلاص وتجرد، فإن قول الحق ابتغاء وجه الله عز وجل ونصرة لدينه قد يكون له من الأثر أبلغ وأعظم مما قد يظن صاحبه.
وهنا أستحضر لكم حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه وسنده حسن، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة)، فلنكن من هذه الغراس التي تستعمل في طاعة الله.
لو أن كلاً منا قال كلمة، أو منا كتب رسالة، أو وقف موقفاً، أو رفع دعوة، أو سكب دمعة، أو زفر زفرة بحرقة؛ لوجدنا كثيراً من الخير يعم، ولوجدنا كثيراً من الحق يصل إلى الآذان ويبلغ القلوب، فلا بد من روح العطاء ولا بد كذلك من روح الإباء.