صور مناقضة لما هو مطلوب في رمضان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، ورمضان موسم التقوى الأكبر والأعظم؛ إذ تتزود فيه القلوب بهذه التقوى.

ما ذكرته -أيها الإخوة الأحبة- أحسب أنه استنباط يطابق الواقع، وأنه أمر من الأمور المهمة التي ينبغي أن نتهيأ بها لاستقبال شهرنا.

ولعلي أقف هذه الوقفات في نوع من ذكر الجمل والكلمات مع قليل ويسير من التعليقات؛ لنرى كثيراً من صور التناقضات وأحوال المفارقات التي تباعد بيننا وبين تلك الآثار والخيرات والبركات.

شهر رمضان شهر الجد والعمل، أفليست صور كثيرة واستعدادات كثيرة تظهر الخمول والكسل؟ وشهر رمضان شهر الجود والإنفاق، أفليست في واقعنا صور من التبذير والإسراف؟ وشهر رمضان شهر المكارم والخصائص، فما بالنا في كثير من أحوالنا نجعله شهر المعايب والنقائص: فلا تضيق الصدور إلا فيه، ولا يشتد الغضب إلا في أيامه، ولا يعظم اللهو إلا في لياليه، ولا تكثر وتتعاظم بعض أسباب الإغراء والإغواء إلا فيه؟! أفليس هذا أمراً ظاهراً بين لا يحتاج إلى إقامة دليل ولا برهان؟ رمضان شهر التلاوة والذكر، والواقع لدى بعض الناس أنه شهر الغفلة واللهو، فتراهم ينامون حتى عن صلواتهم المفروضة، ويسهرون على المحرمات المقطوع بحرمتها دون أدنى شك.

رمضان شهر المناجاة والدعاء، وهو عند كثير من الناس شهر اللغو والغناء، حيث يجتمعون في كل ليلة ليكون لهم حديث ليس له خطام ولا زمام، ولا نفع ولا فائدة، بل هو حديث في كثير منه يكون عليهم لا لهم، وفي مضرتهم لا منفعتهم، فضلاً عما يكون في الليالي مما هو غير مباح.

رمضان شهر الصبر والانتصار، لكننا نجعله في بعض أحوالنا شهر الضيق والاندحار، فكم من شخص تراه في رمضان كأنما كتب على جبينه الهزيمة، وكأنما هيئته تمثل أعظم صور الاندحار والضعف والهوان، وتعجب من ذلك! ولا عجب إذا عرفنا أن فقه الصيام إذا لم يكن في القلوب والنفوس فلن تظهر آثاره على الأجسام والأبدان.

رمضان شهر الحمية والصحة، وإذا بنا نجعله شهر الشراهة والبطنة، فثمة أطعمة لا نراها ولا نسمع عنها إلا في رمضان، وكأن الصيام لا يتم على وجهه الحقيقي؛ بل ربما لا يصح الصيام عند بعض الناس على الوجه المشروع إلا إن كانت تلك الأكلة أو ذلك الشراب موجوداً، وهذا أيضاً من واقعنا.

رمضان شهر التراويح والتهجد، لكن يجعله كثير من شبابنا وشاباتنا بل -وللأسف- رجالنا ونساؤنا شهر التسكع والتسوق، فتبقى الأسواق ساهرة حتى تخلط ليلاً بنهار، وتعمي في حقيقة الأمر القلوب والأبصار.

أيها المؤمنون الأذكياء العقلاء! لا تكونوا من الحمقى والمغفلين، فاشتروا ما تريدون في الأيام الأولى من رمضان، ولا تكن النساء كذلك من المغفلات المضيعات للأوقات الشريفة الفاضلة في البحث عن الأكسية والأحذية، فأمة تصنع ذلك رغم ما حباها الله به من الفضائل والخصائص فعلها ذلك أقبح القبيح، وأشنع الشناعة! رمضان شهر الإخاء والوحدة، ونجعله في بعض أحوالنا شهر الأنانية والعزلة، وننسى أحوال إخواننا الذين يصومون معنا في أرض فلسطين، ولعلكم سمعتم ورأيتم ما مضى خلال هذا الأسبوع من تشديد الجرائم التي مع كثرتها تتعود عليها العيون والقلوب والنفوس، فلا شيء يتغير أو يتأثر، إنها حملة صهيونية باغية إرهابية على إخواننا في رفح من أرض فلسطين، فالبيوت المهدمة أكثر من مائتين وخمسين بيتاً خلال أسبوع واحد، وفي ليلة واحدة وباتصال هاتفي من تلك الديار كان عدد الذين باتوا في العراء أكثر من ألفين وخمسمائة نفس من الرجال والنساء والأطفال! وهناك صور كثيرة في العراق المحترق بدخانه وأمنه الغائب، ورغد عيشه المفقود! وهكذا أحوال أمتنا هنا وهناك، بل إلى جوار بيتك، بل في حيك، بل في قرابتك! أين هذه الروح التي توحد الأمة، وتذكرها بإخوتها؟ رمضان شهر القدوات والمنجزات، شهر كان من موتاه الشهيد الحي خالد بن الوليد رضي الله عنه، ومن آثاره فتح الفتوح في فتح مكة، ويوم الفرقان في يوم بدر، ثم نجعله شهر التفاهات والسخافات، فنأتي بالمقابلات مع الفنانين والفنانات، ونسألهم: ماذا يأكلون؟! وأي شيء يشاهدون؟! ومتى ينامون؟! ومتى يستيقظون؟! وكأن تاريخنا وأمتنا قد انتهت إلى سقط المتاع، وإلى هذا القول الرخيص الذي ينبغي أن نتنزه عنه! وغير ذلك كثير.

أسأل الله عز وجل أن يعصمنا بعصمته، وأن يتداركنا برحمته، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته؛ إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم إنا نسألك لأبداننا الصحة والسلامة، ولقلوبنا الصفاء والنقاء، ولنياتنا الإخلاص والتجرد، ولأعمالنا الصحة والصواب، ولأجورنا المضاعفة والكثرة يا رب العباد! اللهم إنا نسألك أن تبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اجعلنا اللهم من عبادك المخلصين، واكتبنا في جندك المجاهدين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم أقل عثراتنا، وامح سيئاتنا، وضاعف حسناتنا، وزد خيراتنا، ووفقنا لما تحب وترضى، واصرف عنا ما لا تحب وترضى يا أرحم الراحمين! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد؛ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء! اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين! اللهم يا سميع الدعاء! يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! نسألك اللهم أن تذل الشرك والمشركين، والكفرة والكافرين، والطغاة المتجبرين، اللهم عليك بهم أجمعين، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر.

اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تبلغ لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية.

اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم رد عنا وعن إخواننا المسلمين كيد الكائدين، وادفع عنا شرور المعتدين، وسلم ديار المسلمين، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم وأموالهم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تلطف بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى، والمشردين والمبعدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.

اللهم واجعلنا لهم مناصرين، ولهم مؤيدين، واجعلنا لهم معينين، وسخرنا لنصرتهم وإغاثتهم وإعانتهم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأن تجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا أرحم الراحمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! ثبت اللهم خطوتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وأعل رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، نخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015