أستسمحكم عذراً -ونحن في هذه الأيام التي تهش فيها النفوس وتبش، وتفرح القلوب وتطرب لما في هذا الشهر والعشر من الخير- أن نذكر شيئاً من المآسي والأحزان؛ لأن الواقع يفرض علينا ألا نكون أسرى لمجرد ما نحن فيه في ذواتنا أو مجتمعاتنا، فالدائرة أوسع.
نقف وقفة سريعة أمام أرقام لقضيتنا الأولى في أرض فلسطين خلال فترات الانتفاضة الجهادية المباركة، أريد منها في ومضات سريعة أن أشير إلى أن الأمر ما يزال متفاقماً، وهناك صور تزيده ظلمة وظلاماً وحيرة وأسىً وألماً.
أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة شهيد، منهم نحو سبعمائة من الطلبة، وواحد وثلاثون جنيناً قتلوا على الحواجز التي منعت وصول أمهاتهم إلى المستشفيات، وقتل كذلك أكثر من مائة مريض.
وهكذا أصيب خمسة وخمسون ألف جريح وأكثر، منهم ألفان وخمسمائة وأربعون امرأة، وأكثر من ستة آلاف إعاقة، وأكثر من أربعة آلاف وستمائة إصابة للطلبة، ونحو من أربعمائة إصابة لأهل الإسعاف من الممرضين، وثمانية آلاف أسير إلى يومنا هذا يقبعون في سجون الظلم والإرهاب في الكيان الصهيوني، منهم سبعة وتسعون قد أمضوا عشرين عاماً، ومنهم فئات من صغار السن ما بين السادسة عشرة والسابعة، ومنهم ست فتيات قاصرات يُعتدى عليهن ويُؤذين بكل صور الإيذاء، وأضف إلى ذلك نحو ثمانمائة من الأطفال الشهداء، وأكثر من تسعين بالمائة من أطفال فلسطين يشعرون في كل لحظة بأنهم معرضون للأذى أو القتل، ونحو ستة آلاف وسبعمائة بيت مدمر تدميراً كاملاً، ونحو ذلك العدد بأقل من المباني التي هدمت، ونحو عشرة آلاف شردوا من بيوتهم، وأكثر من مليون ونصف شجرة دمرت، وأكثر من مائتين وثمانمائة وثمانين بئراً ردمت، وأكثر من آلاف وآلاف من رءوس الأغنام والأبقار أتلفت وقتلت، والمدارس التي أغلقت تجاوزت ألفاً، والمعاهد والجامعات العليا تجاوزت عشراً، وستة وأربعون في المائة من إخواننا في تلك الأرض الطاهرة لا يأكلون في يومهم إلا وجبة واحدة، ونحو ثلاثة عشر وأربعة من عشرة في المائة مصابون بسوء التغذية! والجدار الذي يسمى: جدار الفصل العنصري نسمع عنه، ولا نعلم أنه قد اقتطع نحو ستة عشر بالمائة من الأراضي، وأنه قد أفنى وأنهى وجود مائة قرية من قرى إخواننا في فلسطين، وأنه قد استولى على أكثر من خمسين في المائة من مصادر المياه في غزة! أقول -أيها الإخوة الأحبة-: أليس هذا جديراً بأن يكون حديثنا هذا أيضاً في رمضان، أم أننا نتحدث عن عدد الركعات، وأصوات الأئمة، وحسن الدعاء، وكأن عبادتنا ليست إلا في هذه الجوانب، وكأن دور هذا الشهر ليس إلا في هذه الميادين، وكأننا ننسى الحقائق؟! وليس هذا هو المؤلم فحسب؛ بل اليوم، وخلال هذا العام نجد تغيراً كبيراً، فالعمليات الاستشهادية أصبحت بنوع من شبه الإجماع انتحارية، ومساعدة الذين هدمت بيوتهم أو الذين قتل عائلهم هو تمويل للإرهاب، والتعليم الإسلامي وتعليم أحكام الشريعة ضرب من التطرف والتشدد، بل وحلقات القرآن وتحفيظه بؤر للإرهاب والعنف، وسيروا وراء ذلك؛ فإنكم ستجدون أن تغيراً كبيراً قد جرى في عام، وأصبحنا اليوم تمر علينا الأحداث ونسمعها كما يشرب أحدنا كأس الماء! ألسنا بالأمس سمعنا، واليوم سنسمع كم قتل في العراق! وكم استشهد في فلسطين! وكم حصل هنا! وكم جرى هناك! وكأن الأمر يمضي ولا يعنينا، بل ونحن نكرس عكسه وضده في واقعنا.