أيها الإخوة! غنائم العابدين وخسائر الغافلين في هذه الأيام الشريفة والليالي المباركة، ولم يبق من شهرنا إلا سبعة أيام، وهانحن إذا تأملنا واعتبرنا وجدنا أمرين لابد لنا من استحضار معانيهما، ومن تذكرهما: أولهما: فضل الله سبحانه وتعالى بما جعل من فضل الزمان، وما أكرمنا به من شرف المكان، وما وعدنا عليه من مضاعفة الأعمال والأجور، وما جعله في هذا الموسم من محو الخطايا والآثام.
والثاني: هو عقل العاقلين، وفطنة المؤمنين، وتلهف العابدين، كي لا تضيع بقية الأيام، ولا تذهب سائر الليالي التي هي أشرف أيام وليالي شهر في العام، وأفضل عشر في الشهر وفيها ليلة القدر، حتى تكون القلوب موصولة معلقة بالله راغبة في ثوابه، مقبلة على طاعته كلما فتر عزمها أو ضعف جدها وسيرها جاءها من نداء الإيمان ومن فضل الرحمن ما يشد العزم، ويضاعف العمل.
ونحن في هذه الأيام المباركة والليالي الفاضلة حري بنا أن نعيد التذكر لفضل الله، ونعيد الحساب لتقصيرنا في طاعة الله، وننتبه إلى أن الأيام والليالي إذا انقضت لا تعود، وأن مواسم الخير يوشك إذا تقوضت خيامها أن يرجع الناس فائزين رابحين، أو خاسرين محرومين، وكل مؤمن وعاقل يختار لنفسه الأمثل.
وإذا كانت الأيام والليالي فيها من شأن الدنيا والآخرة، وراحة النفس، ولهو القلب مع جد العمل في الطاعة والذكر؛ فإن هذه الأيام والليالي لا تنبغي فيها الشركة، ولا يحسن فيها الاختلاط، بل لابد أن تكون ممحصة خالصة للطاعة والعبادة، وأن تكون ذات انقطاع عن الدنيا وتعلق بالآخرة، وهجر للغفلة وانغماس في الذكر، وقطع للخلائق واتصال بالخالق، وحياة للقلوب والأرواح، وهجر لحياة الجسوم والأشباح؛ فإننا في سائر أيامنا وليالينا يكاد يكون حظ الطاعة ونصيب العبادة قليلاً إلا من رحم الله.