قال ابن هشام في غزوة أحد: فخرجت قريش بحدها وجدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة.
ليس ذلك فحسب، وإنما كما قال ابن هشام: وخرجوا معهم بالضعن -أي: النساء- خرجوا معهم بالنساء التماس الحفيظة وأن لا يفروا.
حتى يكون وجود نسائهم وأعراضهم مهيجاً لهم على الثبات والقتال، ومانعاً لهم من الفرار والنكوص، وقد رأوا ما رأوا في بدر من قبل ذلك، فأرادوا أن يخرجوا بالنساء ليكملوا تجييش جيوشهم، وليجعلوا كل قواهم في الرجال والنساء والعبيد والأحرار والصغار والكبار موجهة وجهة واحدة في حرب الإسلام والمسلمين، فخرج كبراؤهم بنسائهم، خرج أبو سفيان ومعه هند بنت عتبة، وعكرمة بن أبي جهل خرج بـ أم حكيم بنت الحارث، وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بـ فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وكان والدها قد قتل في يوم بدر، وخرج صفوان بن أمية بـ بردة بنت مسعود الثقفية؛ خرج الكبراء بالنساء حتى يجيشوا ويقووا توجههم ضد الإسلام والمسلمين، ولا يكون هناك مجال للتراجع أو التخاذل، فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قام النساء بدورهن في حرب الإسلام والمسلمين، وقامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها على رءوس الرجال يحرضنهم على القتال ويقلن: ويهاً بني عبد الدار ويهاً حماة الأديار ضرباً بكل بتار ويقلن: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق فراقاً غير وامق أي: غير محب.
فكن يحرضن على القتال ويؤلبن عليه، وكانت هذه أيضاً صورة من صور تكامل العداء الذي توجه به كفار قريش ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والمجتمع الإسلامي في المدينة المنورة، وهي صورة تتكرر وتظهر بهذا التكامل الذي لا يخفى على عين البصير ولا على إدراك العاقل، فإن أمة الإسلام اليوم لا شك أنها تواجه مثل هذه الصور من العداء مع اختلاف وعظمة في الإمكانيات، وكثرة في أولئك الأعداء، وكيد ومكر في التخطيط والدهاء، كثيرة هي الصور التي تشابه في أصلها وتفوق في عظمتها وقوتها وشدتها ما كان عليه كفار قريش في حربهم وعدائهم للإسلام والمسلمين ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، أفلسنا نرى صورة تتجدد لتلك الحشود التي تحشد ضد الإسلام والمسلمين؟ أولسنا نسمع أبواق الإعلام التي تشوه صورة الإسلام وتتهم أمة الإسلام بالدموية ونحو ذلك؟ أولسنا نرى صور كل فتنة وسبيل من أسباب الكيد والإغراء، وصورة من صور المكر والدهاء وهي تحاك ضد الإسلام والمسلمين؟ وما أمور المسلمين في البوسنة أو كشمير عنا ببعيد، أو في غيرها من بلاد الإسلام، فإن الأمر جد واضح {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، وهم على هذا النهج سائرون، وهذه صورة من الصور ومواقف قليلة في غزوة أحد فحسب، فما ظنك بغيرها؟ وما ظنك بحشود كانت قبل ذلك وبعد ذلك؟ وما ظنك بكيد وكيد كان مثله واضحاً بيناً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.