إنها قضية مهمة، نحن اليوم في اختيار صعب، وكل منا يعود إليه الأمر فإن شاء أن يكون من الراسبين أو من الناجحين، أو إذا أراد أن يكون من المتفوقين، وهذا هو حال طلابنا اليوم، إنما يفكرون في هذه الدوائر، وهذا حال أمتنا في اختباراتها الصعبة، وحال كل واحد منا فيما يوجه له من اختبار، فبعضنا يرضى بالدون، ويسكن بالركون والخنوع، ويظهر أنه لا يعنى بهذا الأمر، وكيف يكون حينئذ طالباً مجداً مجتهداً راغباً في النجاح؟ إنها مخاطبة لابد منها؛ لكي نسعى إلى القمة ونطلب العزة بطريقها الصحيح، ومنهاجها القويم، خلف الذين ساروا فيها من الرسل والأنبياء، والدعاة والمخلصين، والمجاهدين والمضحين، والأشراف الأحرار الأبرار، لا خلف يهود أو نصارى، أو دجاجلة كاذبين، أو خونة منافقين، فإن السائر وراء هذا الطريق لا يفضي به إلا إلى خسران الدنيا وعذاب الآخرة، نسأل الله عز وجل السلامة.
إلى أولئك النفر المتفوقين ننادي: يا نخبة الأفراد إني ناصح والنصح يقبله اللبيب العاقل المجد مهما عز ظل وارف ونجيه مهما تكبد واصل وصباحه مهما تأخر مشرق ونتاجه مهما تمنع حاصل فاستمسكوا بالصبر إن سبيلكم صعب وليل سراكم متواصل لا مثلكم عن نيل أسباب العلى متخاذل في سيره متكاسل أو تصرفن نفوسكم عن جنة دنيا يتوق لها ويشرف خامل! بل وطنوا هذه النفوس على الندى وتناولوها بالجميل وواصلوا صونوا حقوقاً للإله وحرمة لكتابه ورسوله وتخاللوا لا يرتقي درب المكارم تافه أو يبلغ العلياء يوماً جاهل لكنه عزم يبين ونية تعلي وحال يستبين وصاقل إن كان في الدنيا نعيم يرتجى فنعيمها الغرر الكرام أوائل لا نرضى إلا أن نكون أوائل، ولا أولية إلا باستمساك بديننا ونهج ربنا، وأن نعلم حقيقة الدنيا، وحقيقة الآخرة، وما الذي يضحى به لأجل الآخر، فهل نضحي بآخرتنا وديننا لأجل دنيانا، وحفاظ أرواحنا وسلامنا وأمننا، كما يدعون ويزعمون، أم أننا نؤثر أخرانا، ونقدم لأجلها مهجنا وأرواحنا، ونستحضر الصفقة الرابحة التي أخبر الحق سبحانه وتعالى بها، والتي ذكرها في آيات القرآن الكريم ترغيباً وبياناً لهذه الحقيقة المهمة التي لابد لنا أن ندركها، وأن نعيها، وأن نتشبث بها دائماً وأبداً في كل أحوالنا، ونتذكر كذلك قول رسولنا صلى الله عليه وسلم يوم تخلى صهيب الرومي عن دنياه وعن ثروته، وأقبل إلى دينه وإلى أمته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ربح البيع أبا يحيى! ربح البيع أبا يحيى!)، ذلكم هو الربح، وتلكم هي النجاة، وذلكم هو التفوق، كما قال الشاعر: ألا بعنا الإله أنفساً تزكو إذا الله اصطفاها ربح البيع جناناً وعلاً في هذه الأرض وجاها ربح البيع فهل من بائع فالضلال اليوم قد صال وتاها والشعارات وأصنام الهوى ويد الشحناء لا تلقي عصاها والجراحات وأشباح الأسى في قفار التيه تختال دُماها أين منا الأمس إذ كنا به غرة الدنيا ومشكاة ضياها موثقاً حقاً وفتحاً ناجزاً يملأ الأرض عدلاً لا يضاها وجهاداً يحمل الناس إلى قمم الإيمان يعليهم سناها وبطولات تراءت قبساً ساطعاً كالشمس في أوج ضحاها نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين، وأن تكتبنا في جملة المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم.
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم أفض علينا الخيرات، وأنزل علينا البركات، وضاعف لنا الحسنات، وارفع لنا الدرجات، وكفر عنا السيئات، برحمتك يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس راية الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين! اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم رحمتك ولطفك وعونك وعزك وتأييدك لإخواننا المسلمين، المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وأظهر عزهم يا رب العالمين، اللهم اجعل ما قضيته عليهم زيادة لهم في النور واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في أرض فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم ثبت خطواتهم، وسدد رميتهم، وأعل رايتهم، ووحد كملتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين.