عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً) أخرجه الإمام مسلم وغيره، والمقصود بذلك أنه يتشبه بالمحرم، فلا يقص من أظفاره، ولا يقص شعره، ولا شيئاً من أنواع الشعور على اختلافها، وهذا فيه نوع من الاشتراك مع الحاج في بعض العمل، والاشتراك أيضاً في بعض الأجر الذي ساقه الله عز وجل لأمة الإسلام عموماً، واختلف العلماء في ظاهر هذا الحديث فبعضهم قالوا: لا يجوز لمن يريد الأضحية بعد دخول العشر أن يأخذ من شعره أو ظفره إلى أن يذبح، وإليه ذهب سعيد بن المسيب وقال به ربيعة والإمام أحمد وإسحاق، وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الندب والاستحباب، ورخص أصحاب الرأي في هذا.
وأيضاً قالوا: هذا الحديث دليل على أن الأضحية غير واجبة، من أين وجه الاستدلال؟ من قوله: (فإذا أراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره)، فقوله: (إذا أراد) معنى ذلك أنه إذا لم يرد فالأمر بالخيار، وليس الأمر واجباً وإنما هو سنة مؤكدة، والنبي عليه الصلاة والسلام نحر عن نفسه، ونحر عن أهل بيته، ونحر عن أمته، وقد نحر عليه الصلاة والسلام في حجة ثلاثة وستين من الإبل قائمة ثم وكل علياً فأتم المائة، وهذا كله دليل على التفضيل، ودليل على أن الذبح لله عز وجل من أفضل القربات, وأنه من أكثر ما يتعاطاه الناس في بيان المحبة وبيان الخضوع وبيان التقرب والتذلل لله عز وجل.
وبعض أهل العلم رأى أنها واجبة، وذهب إلى ذلك بعض أهل الرأي، واستدلوا بحديث مخنف بن سليم (أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم عرفة فقال: على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة) والعتيرة هي التي تسمونها: رجبية، والحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، ولكن في سنده بعض الضعف، ويعارضه تلك الأحاديث الصحيحة، فالقول الصحيح قول الجمهور، وهو أنها ليست واجبة، وقد ذكر الأكثرون أن العتيرة التي في رجب منسوخة؛ لأنها كانت تذبح في رجب تعظيماً له فيما مضى ثم نسخت بعد ذلك، وقد ورد في حديث مرفوع عن أبي هريرة: (لا فرع ولا عتيرة) والفرع هو أول نتاج الأنعام كانوا يذبحونه لطواغيتهم في الجاهلية، والعتيرة في رجب، فهذا نهي عنها، وحديث أبي هريرة هذا متفق عليه عند البخاري ومسلم.