(والتأذي بالناس عند الخصومة) أي: إياك أن تتأذى من الناس عند الخصومة، وذلك إذا تكلموا على بعض، إذا رأيت من فحوى المدعي أن خصمه ظالم، فلا تظهر التأذي منه وتظهر أنه ظالم، ومن أول وهلة تعلن ميولك أو عطفك على الطرف الثاني، فلا تتأذ بين يدي الخصوم، فلربما حمل أحد الخصمين تأذيك منه فييأس من عدلك.
(والتنكر عند الخصومات) إياك والتنكر عند الخصومات! بأن تتنكر للطرفين، فلا ينبغي هذا، ولا بد أن تكون حليماً بشوشاً واسع الصدر، وأن تسمع من الطرفين، وكما تسمع من هذا تسمع من ذاك، ولو كنت تعلم من فحوى خطاب المدعي وبيناته أن المدعى عليه لم يأت بشيء، فعليك أن تسمع بهذا الذي ليس بشيء؛ لأنك توفيه حقه وتعطيه فرصة الدفاع عن نفسه.
(فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالى به الأجر ويحسن به الذكر) فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله تعالى به للقاضي الأجر -وهذه من المحسنات أو الملطفات لتولي القضاء- ويحسن به الذكر بعد ذلك أو بعد تركك القضاء، فيثني عليك حتى الخصوم الذين حكمت عليهم، لأنه في قرارة نفسه يعلم بأن الحكم صحيح.
(ومن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس) إلى آخر ما جاء في هذا الخطاب.
ويكفينا ما تقدم من القواعد والأصول والتوجيهات والإرشاد في هذا الكتاب المبارك، والذي أشرنا إلى أنه اختير في جامعات بعض الدول الأوروبية، وترجم وقرر في الدراسات القضائية، فعلى كل قاض قبل أن يجلس على منصة القضاء أن يحفظ هذا الكتاب.
والله أسأل أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.