مقدار الجزية

وهل تكون الجزية ديناراً على كل حال أو ينظر إلى حال اليسار؟ جاء أن أهل الشام كان يؤخذ منهم الجزية أربعة دنانير، وأهل اليمن دينار واحد، فقيل لـ معاذ: ما بال أهل الشام يدفعون أربعة دنانير وأنت تأخذ من أهل اليمن ديناراً واحداً؟ قال: إنما الجزية حسب اليسار، وكان أهل الشام أهل يسار، وهو أوسع وأكثر من أهل اليمن، ومنهم من يقول: يرجع في هذا إلى اجتهاد الإمام بشرط ألا يكلفهم فوق ما يطيقون.

عمر رضي الله تعالى عنه لما أتى الجابية مر بأشخاص وقوف في الشمس، فقال: ما هؤلاء؟! قيل: قوم لم يدفعوا الجزية، فقال لهم: لِم لم تدفعوها؟ قالوا: ليس عندنا ما ندفع، فقال: لا توقفوهم في الشمس، ولا تضربوهم عليها، ولا تضيقوا عليهم، من عجز عنها فاتركوه.

ما هو المال الذي يدفعه من عليه الجزية؟ أهل الكتاب يستبيحون أشياء هي محرمة في الإسلام، وقد يستبيحون الميتة ويتداولونها بيعاً وشراء، ويتناولون الخمر والخنزير، ولهم ذلك في بيوتهم، وقد تقدم قوم بالعراق إلى عامل الجزية، وقدموا له خمراً بقيمة ما عندهم من الجزية، فكتب عامله إلى عمر، فقال عمر: (لا، لا تأخذوا منهم خمراً ولا خنزيراً ولا ميتة، ولكن ولوهم بيعها، ثم خذوا منهم الجزية).

هنا نقطة: ربما يظن إنسان أن هذا العمل من الحيلة، هم قدموا خمراً فردها العامل فباعوها وجاءوا بثمنها ودفعوه إليه، فدفعوا ثمن الخمر، وهل يجوز للمسلم أن يأكل ثمن الخمر؟ أول ما حرمت الخمر؛ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فجاء رجل كان من عادته كل سنة أن يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم زقاق خمر والرسول ما كان يشرب المسكر، ولا كان يشرب النبيذ إذا عليه أيام، فكانت الخمر آنذاك مباحة، وكان قد نزل تحريمها قبل أن يأتي هذا الرجل، فلما قدمها قال: (يا أخا العرب! إن الله قد حرم الخمر) فقام رجل فأسر إلى صاحب الخمر وقال: اذهب فبعها، فقال له رسول الله: ماذا قلت له؟! قال: قلت له: اذهب فبعها، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه)، ففتح الرجل وكاء الزقاق، وترك الخمر يسيح في الأرض.

وأيضاً في الحديث: (لعن الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فجملوها -أي فأذابوها- فأكلوا ثمنها)؛ هو محرم فاحتالوا وباعوه فاستحقوا اللعن!.

إذاً: كيف يقول عمر: ولوهم بيعها؟ لو باعها أمام العامل وأخذ الثمن وأعطاه للعامل، فالعامل قبض نقداً، ولكن من أين هذا النقد؟ هو ثمن للخمر، لكن يقول العلماء: ننظر إلى جهة أخذنا وتملكنا لهذا المال، فهو وجه صحيح، هو حق الجزية من الكتابي، فمادام أخذ المال من الكتابي بوجه مشروع فلسنا مسئولين من أين أتى هذا المال؟ نحن نعلم أنهم يتاجرون بالخمر والخنزير، ويربون الخنازير كما تربون الأغنام، ويبيعونها فيدخرون الأموال، ويدفعون لكم الجزية منها، وهم حينما يبيعون ويشترون ذلك يظنونه حلالاً بحسابهم، فليس عندهم في بيع الخمر وأخذ ثمنها حساب؛ لأنها مباحة عندهم، ونحن حينما نأخذ منهم الجزية أخذناها بوجه حلال مسموح لنا به، فلا حرج علينا في ذلك.

هذا ما يتعلق بالمال، ومن تؤخذ منهم الجزية.

كيف كانوا يعاملون من دفع الجزية؟ كانوا في سابق الأمر إذا جمعوا أهل الكتاب في مدينة أو في قرية ودفع الواحد منهم ما عليه من الجزية، ختموا في عنقه علامة على أنه دفعها حتى لا تؤخذ منه مرة ثانية، حتى إذا تم جمع الجزية من هذه القرية أو المدينة وعلم أنه لم يبق أحد؛ كسرت تلك الأختام التي في أعناقهم.

وكان هناك علامات لأهل الذمة يتميزون بها عن المسلمين، منها منعهم من ركوب الخيل، ومنعهم من بعض الأعمال، ومنعهم من حمل السلاح، هذه أمور اصطلاحية في الدولة، والذي يهمنا أنه يدفع الجزية بوجه مشروع.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015