مواقف من بداية الانتقال إلى الآخرة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} -استقاموا على طاعة الله- {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] هكذا المؤمن -يا عباد الله- تبشره ملائكة الرحمة بهذه البشرى التي تقرءونها في كتاب الله عز وجل ويقول الله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:28 - 30].

وأما الصنف الآخر من الناس الذين عاشوا على غير طاعة الله، وغفلوا عن ذكره سبحانه، فحالة احتضارهم مخيفة، حتى جلساؤهم من أقاربهم يفرون منهم، فإنه يقال لأحدهم: قل لا إله إلا الله وإذا به يلهج بما كان عليه من الاشتغال بغير طاعة الله.

عباد الله: اعلموا أن سكرات الموت عظيمة، وأن الألم المصيب للبدن إنما يدرك بواسطة الروح، وإذا وصل الألم إلى نفس الروح فلا تسألوا عن كربه وألمه، حتى قالوا: إنه أشدُ من ضرب بالسيوف، ونشرٍ بالمناشير، وقرضٍ بالمقاريض، ومع ذلك فإنه لا يقدر على الصياح مع شدة الألم تجدونه في سكرات الموت يود أن يصيح بكل ما في وسعه، ولكن الموت وسكراته قد أو هنته إلى الأرض، حتى إذا نزل به هادم اللذات قهر كل قوة، وضعَّف كل جارحة، فلم يبق له قوة -في الاستغاثة - أما العقل فقد غشيته وشوشة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد خدرها وضعفها، فإن بقيت فيه قوة، سمعت له خوراً وغرغرةً من صدره وحلقه يريد أن يتكلم ولكن لا يستطيع {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] أين الأطباء؟ أين الممرضون؟ لا يفيدونه بشيء {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] وعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتغلق أبواب التوبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015