فيا عباد الله! يا أتباع محمد بن عبد الله! إن كنتم متبعون له صحيحاً على نهجه؛ إنكم تسمعون في هذه الأيام والليالي عبر وسائل الإعلام المجاورة والجرائد وغيرها بدعة محدثة, وهي بدعة عيد المولد النبوي, وقد سئل شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز -وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه, وجعل الجنة مأوانا ومأواه- عن هذه البدعة فأجاب جزاه الله خيراً قائلا:
و صلى الله عليه وسلم أن يقال لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا غيره لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله, ولا خلفاءه الراشدون, ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة, وهم أعلم الناس بالسنة, وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وأكمل متابعة لشرعه ممن بعدهم, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} أي: مردود عليه, وقال في حديث آخر: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة} ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها, وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وقال جلَّ من قائل عليماً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100] ويقول الرب جلَّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله, زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله, وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, والله سبحانه وبحمده قد أكمل الدين لعباده, وأتم عليهم النعمة, والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين, ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة, كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم} حديث صحيح.
ومعلوم أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم, وأكملهم بلاغاً ونصحاً, فلو كان الاحتفال بالمولد النبوي من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة, أو فعله في حياته, أو فعله أصحابه رضي الله عنهم, فلما لم يفعله صلى الله عليه وسلم, ولم يقع شيء من ذلك, عُلم أنه ليس من الإسلام في شيء, بل هو من المحدثات التي حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته منها -كما تقدم ذكر في الحديثين السابقين- وقد جاء في معناهما أحاديث أخر مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: {أما بعد, فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة} رواه مسلم , والأحاديث في ذلك كثيرة.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار المولد والتحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وقد رددنا هذه المسألة وهو فصل الخطاب, يقول الشيخ ابن باز وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه: " وقد رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالمولد إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم, ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا, وأمرنا باتباع الرسول فيه, وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به, ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم.
فعلمنا من ذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة, ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم, وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق، وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالمولد ليس من دين الإسلام بشيء, بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعل من الناس في سائر الأقطار, فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين وإنما يعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] هذا تحذير للرسول صلى الله عليه وسلم.