الحمد لله منشئ الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور، ومضاعف الثواب لمن أطاعه والأجور، وغافر الذنوب لمن تاب إليه من المعاصي والفجور، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويسمع دبيب النمل في دياجي الظُّلَم على الصخور، فسبحانه من إله تسبحه جميع الكائنات، وتَقَدَّس من ولي كريم محسن شكور.
أحمده سبحانه على نعم تتجدد بالرَّواح والبكور، وأشكره على سابغ فضله المنشور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، على رغم أنف كل مشرك كفور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صاحب المنزلة العليا، والشفاعة العظمى في يوم النشور.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى.
عباد الله! كيف لا يتفكر الإنسان في هذا العمر الذي يتصرم سنة بعد سنة.
عباد الله، إنه قد تصرم من مدة الحياة عامٌ قد ودعتموه، شاهداً عليكم بما أودعتموه، فمن أودعه صالح العمل فليثق من الله بالبشرى والرضا والكرامة، ومن فرط أو عمل غير صالح، فأحسن الله عزاه.
فيا ليت شعري! على أي شيء تُطوى صحائف هذا العام، ويا غفلة من لعله لم يبق من عمره إلا ساعات أو أيام، ويا أسفاه على من انقضى عمره وهو على تماديه وغفلاته مقيم، ويا خَجْلَة من بنى أجله وهو مكب على المعاصي والآثام.
عباد الله! اعتبروا بهذه الشمس، كل يوم تطلع من مشرقها، وتغرب في مغربها؛ فإن في طلوعها ثم غروبها إيذاناً بأن هذه الدنيا ليست دار قرار، وإنما هي طلوع ثم غروب وزوال.
واعتبروا بهذه الشهور تهل بها الأهلة صغيرة، كما يولد الأطفال، ثم تنمو رويداً رويداً كما تنمو الأجسام، حتى إذا تكامل نموها، أخذت بالنقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان، طفولة ثم شباب، ثم كهولة، ثم هرم، وما بعد ذلك إلا الممات، ومنكم مَن يُتوفى قبل أن يصل إلى ذلك.
واعتبروا أيضاً بهذه الأعوام تتجدد عاماً بعد عام، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نَظَرَ البعيد، ثم تمر به الأيام سراعاً، فينصرم العام كلمح البصر، فإذا هو في آخر العام، كل هذا عبرة ودلالة على زوال الدنيا وفنائها.