الحمد لله الذي فتح باب التوبة للمذنبين، وكتب الرحمة لعباده المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، هو الحق المبين، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين وقائد الغر الميامين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: استجيبوا لنداء الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8].
عباد الله: إن الله يدعوكم إلى التوبة النصوح، وقد فتح باب الرحمة والتوبة للمؤمنين على مصراعيه، وجعله أوسع الأبواب ليعلموا أن لهم رباً عظيماً، يتضاءل بالتوبة أمام رحمته وعفوه كل ذنب.
عباد الله: إن التوبة النصوح الصحيحة التي يكفر الله بها السيئات ويدخل بها الجنات هي الإقلاع عن الذنوب جميعها، الصغائر منها والكبار، والندم على ما مضى منها، والعزم على ألا يفعلها في المستقبل، ورد المظالم، والتحلل من أهلها قبل يوم القيامة.
عباد الله: توبوا إلى ربكم وأسلموا له واعملوا صالحاً؛ ينجيكم من عذابه يوم القارعة، يوم الطامة، يوم الزلزلة، يوم الحسرة والندامة، ولا تكونوا غافلين عن الموت وسكراته وأهواله، فهنيئاً لمن تيقظ وتاب وأناب، وعمل عملاً صالحاً، وتباً لمن غفل وأسرف على نفسه، وسوَّف بتوبته، ووافته المنية على إصراره، وعلى إيذاء عباد الله، وإزعاجهم بملاحقة النساء، والتفحيط في شوارعهم العامة والخاصة، فيا لها من فتنة عمياء! ويا له من تقليد أحمق! فلو رأيتم شاباً لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره وقد اختلط لحمه بحديد السيارة من جراء التفحيط لرأيتم عجباً، ولا أدري من يلقى عليه اللوم، هل عليه وهو في سن المراهقة، أو على ولي أمره الذي ترك له الحبل على الغارب؛ فلا نامت أعين الأشقياء.
عباد الله: متى نأخذ على أيدي السفهاء؟! ومتى نأطرهم على الحق أطراً، ونقصرهم عليه، ونعلم أنهم أمانة في أعناقنا، ونحن مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة؟!
عباد الله: لينظر كل مِنَّا منقلبه ما دام في زمن الإمهال، وليتفكر في منتهاه، ما دام الأمر ممكناً قبل: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56].
عباد الله: إن على الإنسان أن يعمل سراً وجهراً في طاعة المولى جل وعلا، ويذكر ربه وما أحاطه به من النعم، وما له عليه من حقوق، ويذكر ضعفه وقوته وما في يوم القيامة من أهوال، وماذا عمل استعداداً لذلك اليوم العظيم المروع؟ فسيستحضر تقصيره ويتذكر تفريطه، وهو يدري ما يفعل به.