واسمع سنة المصطفى ورسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وهي تحث على بر الوالدين وتؤكد ذلك، فقد {جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذنه بالجهاد في سبيل الله معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم.
قال: ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد، ففيهما فجاهد} رواه البخاري ومسلم.
فانظروا -يا أمة الإسلام- كيف فضل نبيكم صلى الله عليه وسلم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، فيا له من حق عظيم للوالدين على الأولاد!
ومما ورد في الحث على برهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد في سبيل الله، ولا أقدر عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل بقي من والديك أحدٌ؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌ ومعتمر ومجاهد}.
وقال طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه: {أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال: الزم رجليها فَثمَّ الجنة}.
وتأخر رجلٌ من السلف على أصحابه، فقالوا: لماذا تأخرت عنا؟ قال: كنت أتمرغ في روضات الجنة، قالوا: أين؟ قال: تحت أقدام أمي.
وبر الأم مقدم على بر الأب، وقد جاء رجلٌ إلى رسول الهدى محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك}.
رأى ابن عمر رجلاً يطوف بأمه على منكبيه، فقال: يـ ابن عمر! هل ترى أني أديت حق أمي؟! قال: ولا زفرة من زفرات الولادة.
الله أكبر! ثلاثة حقوق للأم؛ لأنها تنفرد عن الأب بأشياء منها: مشقة الحمل وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاعة، وكثرة الشفقة والخدمة والحنو، فقد حملتك في بطنها تسعة أشهر، كأنها تسع حجج، وكابدت عند الوضع ما يذيب المهج، وأرضعتك من ثدييها لبناً، وأطارت لأجلك عن عينيها لذيذ المنام، وغسلت بيديها عنك القاذورات والأذى، وآثرتك على نفسها بالغذاء، وصيرت حجرها لك سريراً مريحاً، فلو رأيتها إذا أصابتك شكاية أو مرض، وهي تظهر من الأسف فوق النهاية، وأطالت الأحزان والنحيب، وبذلت ما في وسعها من الراحة، الله أكبر! {رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24].