الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، الحمد لله حمداً يملأ ما بين السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه، وامتثلوا أوامره ونفذوها على ما أراد منكم.
عباد الله: لقد جاء في القرآن العظيم والسنة المطهرة ما يوحي ويخبر بأن للوالدين حقوقاً على الأولاد، فلقد قرن الله شكره بشكرهما، فقال جلَّ من قائل عليماً: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها، إحداها: قول المولى جلَّ وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول} [المائدة:92] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لن يقبل منه.
والثانية: قول المولى جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فمن صلى ولم يزكِ لن يقبل منه.
والثالثة: قوله جل وعلا: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر والديه لن يقبل منه]] ولذلك أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه بقوله: {رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين}.
ولقد فصَّل المولى جل وعلا ما يجب من الإحسان إلى الوالدين بقوله تبارك وتعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23 - 24].
وهذا معنى واضح يبين الله جلَّ وعلا فيه؛ أنه إذا وصل الوالدان أو أحدهما إلى الكبر حال الضعف والعجز، وصارا عندك في آخر العمر، كما كنت في أول العمر عندهما طفلاً صغيراً، وجب عليك أن تحنو عليهما وتشفق عليهما، وتلطف بهما، وتعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، على أن الفضل للمتقدم.
والمطلوب منك -أيها المسلم- إن كنت تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وإن كنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن كنت مؤمناً حقاً؛ أن تطيع الوالدين، ولا تأفف من شيء تراه، أو تشمه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس، واصبر على ذلك، واحتسب الأجر من الله تعالى، كما صبرا عليك في حال صغرك.
واحذر الضجر والملل منهما! ولا تنغص ولا تكدر عليهما بكلام تزجرهما به، وقل لهما قولاً كريماً حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتعظيم، مثل: يا أبتاه! يا والدي! يا أماه! يا والدتي! ولا تدعهما بأسمائهما، ولا تمش أمامهما، بل احترمهما ووقرهما ولا ترفع عليهما الصوت.