الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له على رغم من جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، عباد الله جاء في الحديث الذي رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بروا آباءكم تبركم أبناءكم، وعفوا تعف نساءكم} فيا من يحاول الوقوع في الزنا، أو وقع بالفعل ولم يتب سواء كنت في بلدك، أو في غير بلدك كمن يسافر في الإجازات الصيفية، أو الربيعية إلى خارج البلاد بنية المعصية، كن على يقينٍ وثقة بأن ساعة القصاص قريبة، وأن الديان موجود، فكما تدين تدان، وبالكيل الذي تكيل به لغيرك تكتال لنفسك، فالجزاء من جنس العمل ولو بعد حين، قال الشاعر الحاكم في هذا الموضوع:
عفوا تعف نساؤكم في المحرمِ وتجنبوا ما لا يليق بمسلمِ
من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجدارهِ إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ
إن الزنا دَيْنٌ فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ
ولرب من يزني بألفي درهمٍ في بيته يزنى بغير الدرهم
فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا أنفسكم وأهليكم وأولادكم من أسباب الشر والفساد والتردي في مهاوي الرذيلة، فالوقاية خيرٌ من العلاج.
ومن الوقاية: نهي النساء عن التبرج والسفور وخروجهن متعطرات، لأن ذلك يؤدي إلى الفساد، أو اغتصاب النساء، أو التحرش بهن كما يحصل اليوم.
ومن الوقاية: تيسير سبل الزواج، وإزاحة العقبات من طريقه والبعد عن مهيجات الغريزة ومثيرات الشهوة كالاختلاط والنظر إلى صور النساء.
ومن طرق الوقاية أيضاً: عدم غياب الرجال عن زوجاتهم مدةً طويلةً تزيد عن ستة أشهر.
عباد الله: لما كان النظر بريد الزنا؛ أمر الله تعالى بغض البصر قبل حفظ الفرج في قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30 - 31] فالنظرة تولد الخطرة في القلب، ثم الخطوة بالقدم، ثم الوقوع في الخطيئة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {العينان تزنيان وزناهما النظر} ذلك أن النظر إلى محاسن المرأة الأجنبية ضربٌ من التلذذ وإشباعٌ للغريزة الجنسية بغير الطريق المشروع.
خرج حسان بن أبي سنان رحمه الله يوم عيد، فلما عاد قالت له زوجته: كم من امرأةٍ حسناء رأيتها هذا اليوم، فقال: والله منذ أن خرجت من عندك حتى رجعت إليك ما رفعت طرفي عن إبهامي.
وكان الربيع بن خثيم رحمه الله من شدة غضه لبصره يظن الناس أنه أعمى.
عباد الله: ينبغي أن تحثوا نساءكم وبناتكم على تعلم وحفظ سورة النور، وكذلك سورة الأحزاب لما تحويه هاتان السورتان من الآداب الاجتماعية التي يجب أن يتمسك بها المؤمنون في حياتهم العامة والخاصة، كالاستئذان عند دخول البيوت، وغض الأبصار، وحفظ الفروج، وحرمة اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وآداب الستر والحجاب وعدم التبرج، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة المسلمة من العفاف والستر والنزاهة والطهر، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: [[علموا نساءكم سورة النور]].
عباد الله! اتقوا ربكم، واسألوه العافية وحسن العاقبة، فإن ارتكاب الزنا وتعاطي أسبابه والإصرار على المعاصي من أسباب سوء الخاتمة عياذاً بالله من ذلك.
هذا وصلوا على النبي المصطفى، نبيٍ ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه، امتثالاً لأمر ربكم حيث يقول جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين.