حيث كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد، فقد شرع لها الحكيم العليم عقوبةً تناسبها من الرجم أو الجلد، فالزانية أو الزاني الذي يطأ فرجاً حراماً اختياراً، إما أن يكون محصناً، أو غير محصن، فالمحصن هو: البالغ العاقل الذي تزوج امرأةً ووطئها بنكاحٍ صحيح، حتى ولو كانت مطلقةً، أو ميتة؛ فإذا زنا، فإنه يحكم عليه بالموت رجماً بالحجارة رجلاً كان أو امرأة، ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً.
وأما غير المحصن: وهو من لم يتزوج على الوصف الذي ذكرنا، فإنه إذا زنا، جلد مائة جلدة ويسفر عن بلده مسافة قصرٍ سنةً كاملة، قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2].
عباد الله: من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: {رجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله}.
يذكر أن رجلاً تعلق بامرأةٍ، وأنفق عليها أموالاً كثيرةً حتى مكنته من نفسها؛ فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته وأراد الفعل، ألهم التوفيق، ففكر، ثم قام، فقالت له: ما شأنك، فقال: إن من يبيع جنةً عرضها السماوات والأرض بقدر شبرٍ لقليل الخبرة بالمساحة، ثم قام وتركها.
روى أبو يعلى بسندٍ حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {ما ظهر في قومٍ الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله، فويل ثم ويل لمن استباح الزنا ودعا إليه بقوله أو فعله} وقد ذكر الفقهاء أن من استحل محرماً مجمعاً على تحريمه فقد كفر، ومن أباح الزنا ودعا إليه ورغب فيه فهو أعظم جرماً ممن استحله فقط، وعلى هذا فلا يبيح الزنا ويدعو إليه ويرغب فيه إلا من هو كافرٌ فاجرٌ محادٌ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة:63] ووالله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، وما ظهر الزنا والربا في قرية إلا وظهر فيها الفقر والأمراض المتنوعة وظلم السلطان.
وروى البخاري رحمه الله بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أتاني الليلة آتيان وإنهما انبعثا بي، وإنهما قالا لي: انطلق} فذكر الحديث إلى أن قال: {فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فإذا فيه لغطٌ وأصوات، قال: فاطلعنا عليه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب، ضوضوا -أي: صاحوا- قال: قلت ما هؤلاء؟ -قال في آخر الحديث-قالا لي: هؤلاء هم الزناة والزواني} نسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.