الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا ربكم تعالى وأطيعوه، عباد الله! لقد سمعتم من آيات الله الكبرى ومخلوقاته العظمى التي تدل على وحدانية الله تعالى، وعلى قدرته التامة على كل شيء، وأنه وحده لا شريك له في ملكه، ولا نِدَّ له، ولا ظهير، ولا وزير، ولا صاحبة، ولا ولد قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4] وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] وقال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وقال جلَّ شأنه: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103] وقال سبحانه وتعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:13] وقال عز وجل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18] وقال عز وجل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] وقال عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:22 - 24] هو الله الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، ولانت لقدرته الشدائد الصلاب، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، هو الله الذي تألهه القلوب، وتعنوا له الوجوه، وتصمد له الخلائق أجمعين.
أجل يا عباد الله! كيف يُعبد غير الله؟!! وكيف يُستعان بغير الله؟!! وكيف يُتوسل بغير الله؟!! وذلك كله لله، فمن صرف شيئاً من العبادة لغير الله؛ فهو مشرك كافر، ومن توسل بغير الله؛ فهو مشرك، ومن دعا غير الله؛ فهو مشرك، ومن ذبح لغير الله؛ فهو مشرك، ومن نذر لغير الله؛ فهو مشرك، ومن خاف غير الله؛ فهو مشرك، ومن استغاث بغير الله؛ فهو مشرك، ومن حلف بغير الله؛ فهو مشرك، {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72] اللهم وفقنا للالتجاء إليك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك واقطع رجاءنا عمن سواك.
يقول البعض من الناس -ومن الذين يسمعون إن كانوا حضوراً أم غياباً-: لماذا تقول هذا وبلادنا ليس فيها من القبور، ولا من الأضرحة ما يعبد؟!
فأقول له: يا أخي إن كنت صادقاً، وإن كنت ناصحاً، كيف تنكر ذلك؟ وأخوك وابن عمك وابن خالك قد ذهب إلى بلاد الخارج، وطاف معهم في الأضرحة، وتوسل إلى القبور يزعم أنهم قالوا له: إن هذا الولي يشفي مريضك ويرزقك ويغنيك، وطاف معهم في القبور، وهو تربى في بلاد التوحيد، وعاش على التوحيد، ولكنه لما خالط الأقران اجترب مثلهم وأصابه الجرب، فإني أسوق ذلك مخافة أن ينزلق الكثير، أما البعض فقد انزلق وطاف معهم في قبورهم وفي أضرحتهم واستغاث بموتاهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أتوهم من طريق خبيث، قالوا له: هل يأتيك أولاد؟ هل عندك أموال؟ هل أنت موفق؟ هل حظك زين، أم شين؟ ثم إذا شرح لهم الموضوع، أمسكوا بيده وأدخلوه إلى القبر، وإلى الضريح، وقالوا: توسل بهذا الولي، فإنها تُقضى حاجتك ويأتيك أولاد، وتستغني إن كنت فقيراً، مع الأسف الشديد كيف نبذ التوحيد وراء ظهره، وأطاع المشعوذين، والسحرة، والمخرفين، وأطاع المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟! كيف يطيع من داسوا على التوحيد بأقدامهم، ولم يعترفوا بالله العظيم؟! إنما اعترافهم دائماً بالأولياء، وبأصحاب القبور، وبأصحاب الأضرحة، وبأصحاب القبب، نسألك اللهم العفو والعافية، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها المسلمون: إن من يسافر من هذه البلاد إلى بلاد أخرى فيها الشرك منتشر؛ فإنه على خطرٌ عظيمٌ، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أين النصح يا عباد الله؟! انصحوهم وأرشدوهم جزاكم الله خيراً، وبينوا لهم أن التوسل بالأضرحة، والتوسل بالقبور، والتمسح بأتربة الأموات شركٌ بالله العظيم، وإن مات على هذه الحالة، فإنه مخلدٌ في النار، نعوذ بالله من النار.
اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك واقطع رجاءنا عمن سواك، يا رب العالمين! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ارزقنا حب التوحيد، واجعلنا من أهل التوحيد، وارزقنا حبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
اللهم يا أرحم الراحمين وفقنا للعمل بطاعتك، وارزقنا رضاك ورضا رسولك محمد صلى الله عليه وسلم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام!
عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ.
عباد الله: احذروا البدع في الدين، والتزموا عقيدة التوحيد، وعقيدة أهل السنة والجماعة، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] صلوا على رسول الله القائل: {لا تزال أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله} صلوا عليه وسلموا تسليماً، واسألوا الله أن يجعلكم من هذه الفرقة الناجية التي لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالف أمرهم حتى يأتي أمر الله.
اللهم أصلح قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! املئ قلوبنا من محبتك، ومن خشيتك، ومن معرفتك، ومن الأنس بقربك، واملأها حكمةً وعلماً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم طهر بلدان المسلمين من الأضرحة والقبب والقبور التي تعبد من دون الله، والتي يُذبح بها لغير الله، والتي يُنذر لها من دون الله، اللهم طهر بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين، ورد المسلمين إلى دينهم الصحيح، اللهم رد المسلمين إلى عقيدتهم الصحيحة يا رب العالمين!
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، واجعلنا اللهم وإياهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين، الله دمر أعداء الإسلام، وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم أصلحنا وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مُضلين، ولا مفتونين، ولا مُغيرين، ولا مُبدلين حتى تبعثنا من قبورنا يا رب العالمين.
اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) اللهم توفنا على الإخلاص لك يا رب العالمين، اللهم توفنا على الإسلام والإيمان، وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان يا رب العالمين.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.