ومن آيات الله تعالى وتَقَدَّسَ: الشمس والقمر، يجريان في فلكهما منذ أن خلقهما الله تعالى، يجريان بسير منتظم لا تغير فيه ولا انحراف ولا فساد ولا اختلاف، حتى يأذن الله تعالى بخراب العالم، ثم تكور وتلف الشمس وتجمع الشمس مع القمر، فذلك أوان الذهاب بنورهما وتعطيلهما قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:7 - 10] أين المفر من يوم القيامة؟! {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38] وفي هذا رد على الذين يقولون: الشمس كالمروحة ثابتةٌ في السماء، وربنا يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38] فهل تفهمون الخطاب يا عرب؟! والقمر يا ربنا؟ {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:39 - 40] منذ أن خلقهم الله جلَّ وعلا: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40].
ثم تفكروا -يا عباد الله- في هذه الكواكب والنجوم التي لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، فمنها السيارات، ومنها الثوابت، ومنها المتصاحبات التي لا تزال مقترنة، ومنها المتفارقات التي تجتمع أحياناً وتفترق أحياناً، تسير بأمر الله تعالى الحي القيوم وتدبيره، خلقها الله زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فالكون كله من آيات الله جملةً وتفصيلاً هو الذي خلقه وهو المدبر له وحده لا شريك له، فهذه بعض آيات الله فمن آمن بها وصدق؛ فله الثواب من الله، ومن كذب بها؛ فاسمعوا ما قال الله من العقاب له: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:40 - 41].
واسمعوا ثواب من آمن بآيات الله: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:54].
عباد الله: تفكروا في عظيم مخلوقات الله حتى في أنفسكم، قال الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] نعم يا عباد الله! فالعالم لم يخلق نفسه، ولم يكن مخلوقاً من غير شيء، بل لابد له من خالقٍ يخلقه ويقوم بأمره، وهو الله سبحانه وتعالى لا خالق غيره ولا رب سواه.
اللهم ارزقنا إيماناً دائماً كاملاً، ويقيناً صادقاً، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم.