الحمد لله على إحسانه, وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى وتبصروا في دينكم, واحذروا البدع المحدثة, التي تبعدكم عن الله, وتصدكم عن الصراط المستقيم.
عباد الله: لقد بلغ بالذين يحضرون الموالد وليلة الإسراء والمعراج من الإفك والافتراء: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد معهم, ولهذا يقومون له محيين ومرحبين, وهذا من أعظم الباطل, وأقبح الجهل, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة, ولا يتصل بأحد من الناس, ولا يحضر اجتماعاتهم؛ بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة, وروحه في أعلى عليين, عند ربه في دار الكرامة.
عباد الله: ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة أو فسوف يراني في اليقظة فإنه لا يتمثل بي الشيطان} الشيطان لا يتمثل برسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام, وإنما يتمثل للمشعوذين المفسدين دعاة السوء والضلال, الذين يخرفون على الناس ويقولون لهم: سوف تحضر الحضرة النبوية, ثم يقوم أولئك الجهال إذا دخل عليهم الشيطان ويقولون: هذا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع الأسف الشديد أين العقول؟! أين القلوب؟! محمد صلى الله عليه وسلم ميت, وهو مقيم في قبره إلى يوم القيامة, وروحه في عليين, عند ربه في دار الكرامة, كما قال ربنا جلَّ وعلا: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15 - 16] ليسمع الذين يخرّفون, ليسمع الذين يهرفون بما لا يعلمون, ليسمع المشعوذون, ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة} إذاً: لا ينشق عنه القبر إلا يوم القيامة, أجل فإن دعاة الشر والتخريب والشعوذة كاذبون في ادعائهم أن رسول الله يحضر معهم في موائدهم وفي ليلة الإسراء, كاذبون ثم كاذبون ثم كاذبون, رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره لا يبعث إلا في يوم القيامة, وهو أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {وأنا أول شافع وأول مشفع} عليه من ربي أفضل الصلاة والسلام, فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف, وما جاء فيما معناهما من الآيات والأحاديث تدل كلها على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات, إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة, وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين المحققين المنصفين, وليس الجهال الذين ألَّفوا القصائد الشركية, الذين ألهوا فيها رسول الله وجعلوه فوق منزلته من العبودية, فحسبهم من الله ما عليهم من العذاب, إنهم فتنوا الكثير من الجهال بقصائدهم التي خرفوا بها وجعلوا رسول الله فوق منزلته.
يا عباد الله: إنهم يتوسلون برسول الله, إنهم يسألونه الشفاء, إنهم يسألونه قضاء الحوائج وهو ميت صلى الله عليه وسلم, عبد لا يُعبد, ورسول يصدق, ويتبع فيما شرع وفيما بلغ عن ربه جلَّ وعلا, أما عبادته والتوسل به والاستغاثة به فهي شرك أكبر وصاحبها إذا مات على هذا بغير توبة فهو مخلد في النار.
لا تغتروا -يا أهل هذه البلاد- بالذين يأتون من بعيد وقد تكبدوا المشاق, تكبدوا المسافات الطويلة ثم إذا أتوا إلى قبر محمد صلى الله عليه وسلم جعلوا يندبون يسألونه قضاء الحوائج, يسألونه شفاء المرضى, يسألونه العطاء, وهو لا يقدر على هذا صلى الله عليه وسلم.