الحمد لله الذي قضى بالزوال والفناء على أهل هذه الدار، وتوحد بالبقاء، فلا يعتري ملكه زوال ولا إدبار، العزيز الذي عنت الوجوه لعزته، وخضعت الرقاب من سطوته، المرتدي بالكبرياء، المتزر بالعظمة، أحمده على فضله الشامل، وأشكره على إحسانه الكامل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله والحق دافر وقدم الصواب عاثر، فقمع الباطل بالحق الظاهر، ونسخ ظلمات الجهالة بنور العلم الزاهر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله وأطيعوه.
عباد الله: تدبروا القرآن المجيد، فقد دلكم على الأمر الرشيد وتمسكوا به، فإنه حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم والنور المبين، فطبقوه كما أمركم الله بتطبيقه، وأحضروا قلوبكم عند تلاوته لفهم الوعد والوعيد، ولازموا طاعة ربكم فهذا شأن المتقين ودأب المؤمنين وسلوك الصادقين، واحذروا من غضب الله، احذروا من غضب الجبار، فكم قصم من كل جبار عنيد طغى وتكبر، شيد البنيان وطولها وتأمر على الناس وسادهم، وظن الإنسان جهلاً منه أنه مخلد في هذه الحياة الدنيا، ومعمر فيها، فجمع الأموال ما بلغت، فلما ظن أنه قد حصل على الكمال، وتمكن منه الغرور، وأَمِن مكر الله وغفل عن الخالق جلَّ وعلا، جاءه أمر الله على غرة وسلبه الصحة والعافية، واللذاذة في المطعم والمشرب، فصارت الأموال عنده لا قيمة لها؛ لأنه جاءه ما يدهشه وينسيه، جاءه الموت بما فيه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].